ياسر عرمان
(الجزء الثاني من مقالتي المعنونة: سيد فرح ايقونة التاريخ المنسية)
حبل السودانوية كحبل المهلة يربط ويزيد؛ دعنا نعود للافادات المهمة لفومي جاما ماشا الذي لا يتذكر تاريخ ميلاده ولا يحمل شهادة ميلاد وشهادة الميلاد الوحيدة التي يحملها هي السودانوية، وفي شهادته أمام لجنة البروفيسور يوسف فضل حسن ذكر انه وُلد في مناطق (النجمنق)، فهو يتذكر بوضوح أن الاستعمار شن هجوم على منطقته في عام ١٩١٨، وجيء به الي الخرطوم، والتحق بالاورطة ١٣جي وذهب للعمل في بحر الغزال ثم عاد الي الخرطوم في عام ١٩٢٤م، فهو على موعد مع حدث مهم وتاريخي؛
كان يعمل في مدرسة ضرب النار في اشلاق عباس، وفي يوم ٢٧ نوفمبر ١٩٢٤م كان يوم خميس وكان من المفترض أن يكون يوماً للعطلة، وأن يبلّغ الي المدرسة في مساء الجمعة كأمرٍ روتينياً وعادياً تماماً، ولكن أمراً غير عادياً حدث! فقد ظهر في ذاك الخميس الملازم سيد فرح وانفرد بالضابط الشهير حسن أفندي فضل المولي، هذا اللقاء سيكون له ما بعده فالحرب أولها كلام” بعدها استدار حسن فضل المولي وطلب من قواته…………….
(٢)
معركة النهر الثانية هي معركة مستشفى العيون الواقع في شارع النيل في الخرطوم والتي قادها الملازم أول عبد الفضيل الماظ، ومعركة النهر الأولي أرّخ لها المراسل الحربي (ونستون تشرشل) وقد اصبح لاحقاً أهم رئيس وزراء علي مدي تاريخ بريطانيا، وقد قادها الخليفة عبدالله التعايشي بنفسه وكان يعقوب (جراب الرأي) أخاه بمثابة رئيس هيئة الأركان، وقال شهود عيان إنه حينما أستشهد يعقوب لم يتحدث الخليفة عندما بلغه النبأ ولكز دابته في طريق العودة الي أم درمان ليواصل رحلته حتي (أم دبيكرات)، في المعركتين الأولي والثانية تذوق الإنجليز بعض طعام البسالة علي أيدي السودانيين، وإذا اردنا الاحتفاظ بجغرافيتنا الممتدة والواسعة فالنحتفي ببسالتنا وإنسانيتنا وتاريخنا الأكثر اتساعاً من الجغرافية، فكتاب البسالة مكتوب بدماء جميع أقوام السودانيين وهو يكفي ويزيد، ويمر عند بعانخي لا يستثني المك نمر ومهيرة بت عبود ورابحة الكنانية وعثمان دقنة وحمدان ابوعنجة وسيد فرح وفيه دوما صفحات كافية لكل أقوامنا، فمن لا قديم له لا جديد له ولا ظهر أبقي أو أرض قطع، إن لم نحسن ذلك فسنقسم بلادنا الي دويلات ولنحسن التعامل مع تأريخنا حتي نحسن التعامل مع جغرافيتنا فهما في وحدةٍ عضوية؛
(٣)
طلب حسن فضل المولي من قواته ألا تنصرف لإجازة الخميس علي حسب الأقوال التي أدلى بها (فومي جاما) ثم عدل حديثه وتركهم ينصرفون فقد تردد في اطلاعهم على الخطة التي طبخها على نار محادثته مع سيد فرح، وأراد أن يحتفظ بالسر الخطير وهو متجه الي الحرب عما قليل، فسينتهي بعد هذه المحادثة سيد فرح الي منفي طويل وسيذهب حسن فضل المولي الي الدروة وينهمر رصاص الإنجليز على جسده، ولا شيء يُقدّم من أجل الوطن يدعو الي الأسف؛
كان فومي جاما في طريقه الي اشلاق عباس لقضاء عطلة الخميس والعودة يوم الجمعة، ولكن المقادير وما ترسمه الحياة من أحداث قد تغير رحلة البشر في هذه البسيطة، فبدلاً من قضاء عطلة الخميس أنتهي به الحال للمشاركة في معركة شرسة يقودها عبد الفضيل الماظ وبجانبه سيد فرح وآخرين؛
(٤)
ترجع جذور عبد الفضيل الماظ الي جنوب السودان والامباشي فومي جاما الي جبال النوبة وحسن فضل المولي وسليمان محمد وعلي البنا ومزمل على دينار الي وسط السودان ودارفور ومحمد المهدي الخليفة ترجع جذوره الي التعايشة وهكذا دواليك فإن معركة النهر الثانية لسان حالها إناّ الي التنوع وإنّا اليه راجعون، وهذه تشير الي الدلالات الثقافية والاجتماعية لرابطة السودانوية التي تربط وتزيد؛
جاء سيد فرح (بعربة كارو) وكسر مخزن قوة الاشلاق وأخذ كل المدافع والجبخانة و”شال السلاح” واتجه نحو شارع غردون باشا، سمع فومي جاما كل ذلك من زميله الامباشي صديق بلال فغّير فومي جاما ماشا طريقه ونسي عطلته وأخذ سكة شارع غردون ومعه خميس وأيور، والأخير اسمه من القبائل النيلية وغالباً ما يكون من الدينكا، والتحقوا جميعاً بسيد فرح، إن رائحة البارود نار الشواء الآدمي بعد قليل، لقد كانت تلك هي المناظر وسيبدأ الفلم عما قليل وسيستمر ليومين؛
لا زال السؤال قائماً حتي الآن كيف تحصل عبد الفضيل الماظ ومجموعته وهي بمثابة الجناح العسكري لثورة ١٩٢٤م علي الذخيرة الحية ومعلوم أن الإنجليز لا يصرفون الذخيرة الحية إلا بميقات وتصديق، وهم الي حدٍ كبير تحكموا في الاورطة السودانية المصرية، أحدي الروايات التي تستحق التحقق تقول إن القائممقام فرج أبوزيد الدينكاوي هو من أعطي الذخيرة الحية لعبد الفضيل الماظ وحوكم لاحقاً ولم تثبت التهمة عليه وفصل من الخدمة بعد سجنٍ أمضاه كضريبةٍ من ضرائب الوطن، وبالمناسبة إنني التقيت في فترة نيفاشا الانتقالية بمحامٍ رفع عدة قضايا لأسرة فرج ابوزيد الدينكاوي لأن بعض الاسر قد استولت علي أراضي هامة يملكها فرح ابوزيد الدينكاوي في وسط الخرطوم وتم تزوير الأوراق والعهدة علي الراوي؛ قوة عبد الفضيل الماظ متعددة المشارب والخلفيات الثقافية والاجتماعية ” جامعها السودانوية وهي الغائب الحاضر في الأجندة الوطنية؛
(٥)
عند القسم البيطري أخذ عساكر القوة التي جمعها سيد فرح بنادقهم بالسونكي في وضع استعداد قتالي وكانت عربة الكارو تقف على بعد مسافة منهم بعد أن أخذوا المدافع والسلاح، وكان سيد فرح يعني ما يقول؛
انضم الامباشي فومي جاما ماشا وأخذ بندقيته وأرتكز مع المرتكزين وخاض مع الخائضين والأعمار بيد الله والوطن فوق العطلة الأسبوعية؛
كان مستعداً للقتال ولا وقت لديه للمناقشة “فإبتسم فأنت تحت قيادة عبد الفضيل الماظ” لا هظار ولاهذر فالوطنية تنبت فوق سونكي البنادق والماظ يقاوم لا يساوم، والماظ سيد الشهداء وحينئذ كان ابن ٢٨ عام يرسم لوحة نادرة للشهادة والبسالة ويعلقها الي الأبد في ضفة الوطنية السودانية والوطن، وسقي الله وجه ذاك الشهيد المحفور في وجه الوطن الي الأبد كأجمل جدارية؛
مبارك بشير بوسامةٍ وفطنة استعاد خيول الوطنية الجامحة في جوف العتامير وعاد بنا الي الماظ ولو بعد حين بصوتٍ وموسيقي اسطورية من محمد وردي، فمن أعطي سيأخذ، وهناك ما يكفي من طحين يسع الجميع مثل الوطن بشرط أن تزدهر الحرية والسلام والعدالة والمواطنة بلا تمييز؛
(٦)
قال الامباشي فومي جاما إن واحداً من أبناء عشيرته من قبيلة النجمنق يُسمّي بولد نورنوف من فرقة المهندسين سوداني أباً عن جد كان يستشفي في الاسبتالية فسمع بأن المعركة على وشك أن تبدأ ترك الاسبتالية وجاء الي مكان القتال (سودانية تب مافي كلام)؛
(٧)
كان ذاك المساء مساءاً سودانياً خالصاً والراية كانت واحدة هي راية السودانوية، وعند حوالي الساعة السادسة والنصف كما يتذكر فومي جاما ماشا وبعد أن انتشر الخبر في البلد إن عبد الفضيل الماظ قد بدأ القتال “والأعمى شال المكسر كما يقولون في الحكي” للحاق بالمعركة ويالها من همة وطنية، تبرع الامباشي جاما ماشا لأبن عشيرته بخمسين طلقة من مرتب جبخانته فكل الطلقات في سبيل الوطن، وانتظم قريبه الذي أتي من الاسبتالية في المعركة ثم جاء ابن عمه اونيلا وأعطاه أيضاً خمسين طلقة ، أثاب الله الامباشي جاما ماشا من ثواب الوطن علي ما وزعه من ذخائر في ذلك اليوم؛
وُزعت المدافع والبنادق والذخيرة ويذكر جاما ماشا إن هيدلستون باشا أو موكتان باشا الإنجليزي ظهر ونادي علي سيد فرح ولم يستطع تبين من نادي علي سيد فرح هل هو هيدلستون باشا أم موكتان باشا، لأن الشمس كانت قد أعطت الشبال علي نهر النيل وغابت، وفي ذلك الوقت قد بلغت قوة سيد فرح نحو خمسين الي ستين جندياً وضابط صف، طلب الإنجليزي من سيد فرح المجيء رفض سيد فرح وقال له “انت عدو”، كانا يتحدثان بالعربي وكان اليوم يوماً من أيام سيد فرح الباذخات، ففي ذلك اليوم الذي ستذكره الأرض والأوقات القادمة وأرواح الأجداد علي صهوات الجياد كان يوماً عبوسا مثل كرري والأوجه مكفهرة لا مكان لها إلا لشيئين “الوطنية والشجاعة” والدماء ماء الأرض أحياناً؛
(٨)
الرجال الذين التقيتم بهم في كرري وبرر ألا يمثلون شعب السودان كلهم هكذا نُسب التعبير الي الزعيم علي عبد اللطيف في رده على الإنجليز الذين كانوا يذكرونه بأنهم قد جاؤوا وحرروه من العبودية والرد ساحق وماحق “أخرجوا أنتم من بلادنا واتركونا عبيداً كما كنّا” فالثورة ذات العقل تدرك الأولويات الوطنية بترتيب دقيق والعقل المختل وحده هو الذي يخلط الأولويات؛
(٩)
في المدارس الرسمية وحينما قدموا لنا التاريخ مخلوطاً ببعض الزيف وببعض من توابل الطعام والخبز الجاف الذي أخذه البعض علي مائدة الإنجليز لم يدرسونا وتغافلوا عن عمدٍ أو دون قصد لا أدري أن يذكروا لنا ولو علي سبيل الذكريات سيد فرح وهيئة شؤون العمال والنضال المعادي للاستعمار ولابد لنا من البحث عن الحقائق خارج أضابير مقررات المدراس الي حين إشعار آخر وإعادة كتابة التاريخ علي نحو ينصف الجميع لا سيما الذين صنعوه بدمائهم، في الحلاويين ود حبوبة وفي برنجية علي دينار وسلاطين المساليت والسلطان قودوي في يامبيو وابن ون دينق نبي النوير الذي قاتل الإنجليز وكون أنوك في البحيرات زعيم الدينكا وقاسم أمين بجسمه الأسطوري في عطبرة يهتف (يسقط يسقط الاستعمار) ولا يصح إلا الصحيح؛
(١٠)
تسلل الظلام وغربت الشمس لم يتراجع الماظ أو سيد فرح وثابت عبدالرحيم وسليمان محمد وحسن فضل المولي وانتهت المحادثة مع هيدلستون أو موكتان باشا مع آخر خيوط الظلام وأشعل الإنجليز مصابيح الإضاءة، ضرب الشاويش (ارد بيقو) من قوة سيد فرح مصباح الإضاءة فارداه قتيلاً! حتي لا يكشف مناطق ارتكاز قوتهم فأضاء الجيش الإنجليزي الكشافات وبدأ الضرب، أعطي عبد الفضيل الماظ التعليمات بزحف القوة نحو الاسبتالية لإخذ سواتر في مواجهة القوة البريطانية، كان ذلك هو أعظم أيام شارع النيل، دخل عبد الفضيل المستشفى واستمر القتال حتي فجر اليوم التالي الجمعة ٢٨ نوفمبر ١٩٢٤م وبدأت الذخيرة تنفذ ووجد فومي جاما نفسه يقاتل كتفاً بكتف الي جنب عبد الفضيل الماظ والإنجليز يحاصرون المستشفى؛
تصّيد الماظ قوات الإنجليز على شارع النيل والحق بهم خسائر فادحة وفي بداية المعركة فاجأهم وهم يؤدون التمام ويجهلون حصوله على ذخيرة حية بكميات كافية واستمر قناصة الماظ في اصطياد القوات البريطانية الزاحفة نحوهم ومع نفاد الذخيرة والرجال الذين رأي فومي جاما بعضهم يسقط أمامه وقد مزقتهم مدافع الإنجليز حينما تركوا سواترهم، استخدم الإنجليز المدفعية لهدم المبني فوق الماظ ودُفن الماظ ومدفعه تحت التراب، الامباشي فومي جاما كان مجروحاً في يده وصدره؛
(١١)
كاد فومي جاما أن يموت لكنه الآن في هذه اللحظة من عام ١٩٧٤م يدلي بشاهدته أمام اللجنة فمتلازمة الحياة والموت عجيبة، فكم من معارك على طول التاريخ البشري خرج منها الإنسان على قلة حيلته وضعفه وكم من جالس مستمتع بدفء بيته وجد نفسه جثة هامدة، وفي ذلك اعتبار لبذل الحياة في شيء يستحق وطعم الموت واحد في كلتا الحالتين كما عند ابوالطيب المتنبئ؛
غطي التراب علي فومي جاما ماشا وحينما قام الإنجليز بتفتيش الأراضي وإزاحة الأنقاض ظهر فومي جاما ماشا فوضعت الكلابيش علي يد الامباشي جاما، في التحقيق قام بخداع الإنجليز وكذب عليهم بانه قد تقطعت به السبل ووجد نفسه في المستشفى ولم يكن طرفاً في القتال وذكر إن مزمل قد نصحه واعتقد انه يقصد الضابط مزمل علي دينار الذي كان يريد له أن يخرج من مأزقه سالماً وسيتم سؤاله في الاستجواب عن حركة عبد الفضيل الماظ ونفي علمه بأي حركة وأُخذ محبوساً في المستشفى تحت الحراسة ولم يعرفوا انه في مشارك في الحركة وقال في إفادته (ما عرفوا عشان إنا غشيتهم)، فالحرب عند الامباشي جاما ماشا خدعة وقد مارسها في التحقيق مع الإنجليز وكأن عمرو بن العاص كان يجلس بجانبه، وخرج مثل الشوكة من عجين الإنجليز؛
(١٢)
سُئل الامباشي جاما في شهادته الشفهية لماذا شاركت مع سيد فرح وهل لديك خبر بالحركة فرد قائلاً أنا شاركت في القتال والحركة (أنينا طبعاً سودانيون وكلنا واحد) هذه الإجابة هي مربط الفرس كيف نكون كلنا سودانيين وكلنا واحد، هذا هو السؤال المركزي منذ عام ١٩٢٤م وحتى الآن لابد من السودانوية وإن طال السفر كرابطة وطنية يرتكز عليها مشروعنا الوطني فهي التي تجمعنا وغيرها يفرقنا، فقد اكتشف جاما ماشا ذلك دون تعليم رسمي وتعليمه من حياكة الحياة، ولا نحتاج لغلبة “وسداً منيعاً هي بطلوا الغلبة/ محجوب شريف”،
السودانوية عبر عنها بوضوح جون قرنق ديمبيور وشاركه يوسف كوة مثل مشاركة فومي جاما لعبد الفضيل الماظ ومستشفى النهر سيعيد إنتاج نفسه عل نحو جديد والنهر رابطة للشمال وللجنوب؛
إن مشاركة الامباشي جاما ماشا هي بطاقة من بطاقات السودانوية وثورة ١٩٢٤م تغذت من السودانوية، فإذا كانت المهدية قبلها وقبل قيام الدولة الحديثة والسكة حديد والبريد والبرق وغردون التذكارية والمدرسة الحربية وطبقة الموظفين ونخبة الاورطة المصرية السودانية وبدايات قطاعات الطب والتمريض وفرق الرياضة والموسيقي استندت ثورة ١٩٢٤م الي قوي جديدة وبدايات القوي الحديثة وقاعدتها الاجتماعية مختلفة عن قاعدة الثورة المهدية ، فالثورة المهدية كانت ثورة ودولة واستندت علي عاملي الدين والوطنية بينما ثورة ١٩٢٤م التي أتي قادتها من القطاعات الحديثة بشكل شبه كامل استندت علي عامل الوطنية وبناء تيار بعيد عن الحواضن الطائفية والقبلية وفي إطار جنيني من السودانوية، وهو ما عبر عنه الامباشي جاما ماشا بوضوح وادرك كنهه، والعسكرية ايضاً كانت رابطاً فوق القبائل والجغرافيا لدي فوما جاما؛
حتي في أيامنا هذه “٢٠٢١” يصعب علي البعض ادراك الأولويات والمصالح التي غلّبها فومي جاما قبل ما يقارب المائة عام من مشاركته في معركة النهر الثانية، إن بلادنا اليوم في مفترق الطرق وقد تحطم ريفها وضربه الفقر الذي يولّد الحروب وتكدست مدنها بملايين المهمشين والعطالة وراوغ الإنتاج الريف والمدن وتبخرت الطبقة الوسطي في زحام الانهيار “والذهب الذهب يكاد عقلي يذهب” وامتداد الخارج الي الداخل والي الموارد وانقسام الوجدان الوطني والكراهية سلعة منتشرة “علي قفا من يشيل”، والتحيزات الجهوية والأثنية، وفي وسط الظلام سطع نور الديسمبريين وثورة ديسمبر ونحن نحتاج الي إعادة تعريف المشروع الوطني بعد حدثين كبيرين “فصل الجنوب والإبادة الجماعية”؛
(١٣)
السودانوية مشروع وفرصة وفكرة ومن خلالها يمكن أن نبلور مشروع وطني جامع فحركة ١٩٢٤م لم تكن حركة للأفندية بل هي حركة جذورها اعمق من السطح اللامع والزلق للافندية وهذا ما نريد أن نؤكده في هذا الطرح وان نأخذ سباحة في ظلالها الوارفة وامتداداتها في الريف والحضر وطرحها لخطاب جديد قبل حوالي مائة عام، ولم يمت هذا الخطاب حتي يومنا هذا رغم التراب الذي أهيل عليه وعلي قادتها، ولقد آن الأوان ونحن نسعي للعدالة أطوال رايات ثورة ديسمبر أن ينصف الديسمبريين ثورة ١٩٢٤م ففي إنصافها إنصاف للسودان وثوراتنا التي لحقت بها تم حياكة حمضها النووي وبعض أجزاءها في مصانع ١٩٢٤م وقماشها الذي صُنعت منه الثورات اللاحقة بعض غزله مأخوذ ومنتج من منتجات ثورة ١٩٢٤م وخرج من معطفها ومن حقلها الذي زرعته وتعهدته الحركة الوطنية لاحقاً بالرعاية.
الخرطوم/٢٥-٧-٢٠٢١