قائد عسكري وسياسي رواندي من عرقية التوتسي، ولد عام 1957 في أسرة من سلالة السلاطين. قاد الجبهة الوطنية الرواندية إلى النصر على نظام الهوتو بعد المجازر العرقية التي شهدتها البلاد في ربيع عام 1994.
تولى رئاسة رواندا بتزكية من البرلمان في مارس 2000، ثم انتُخب في الأعوام 2003 و2010 و2017. وفي عام 2015 عدَّل الدستور ليتسنى له الترشح إلى الرئاسة 3 فترات أخرى تنتهي عام 2034م مؤخرا أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة بروندا في 15 يوليو/ 2024.
المولد والنشأة:
وُلد بول كاغامي في 23 أكتوبر/ 1957 في تامبوي بمقاطعة “رواندا أوروندي”، التي كانت تحت السيطرة البلجيكية، وفي عام 1962 استقلت المقاطعة عن الاستعمار، وفيما بعد انفصلت رواندا عن أوروندي.
نشأ كاغامي في أسرة من التوتسي تنتمي إلى سلالة من السلاطين تعاقبت على عرش هذه العرقية في فترات ما قبل الاستعمار البلجيكي، ووافق ميلاده استعداد بلجيكا لمنح الاستقلال لرواندا بعد عقود طويلة من التمييز والفصل العنصري والعرقي بين الهوتو والتوتسي.
نزح كاغامي مع أسرته وهو في الثانية من عمره إلى أوغندا فرارا من القمع الذي استهدف التوتسي قبيل نيل البلاد استقلالها، وشهدت هذه الفترة إعدامات وتصفيات ومجازر بذريعة وجود مخطط للتوتسي للسيطرة على السلطة، وقد بلغت هذه الاضطرابات ذروتها بمجازر عرقية مروعة قُتل فيها أكثر من 800 ألف إنسان، غالبيتهم من التوتسي، في ربيع 1994م
وتزوج بول كاغامي عام 1989 من جانيت نييرامونجي، وهي سيدة من عرقية التوتسي، ورزقا 4 أطفال هم إيفان وأنجي وإيان وبريان.
الدراسة والتكوين:
كان بول يبلغ من العمر عامين فقط عندما ذهبت عائلته إلى المنفى، وبدأ الدراسة الابتدائية أثناء إقامته في مخيم للاجئين في أوغندا، فتفوق وحقق درجات متميزة، وأكمل تعليمه الثانوي على التوالي بمدرسة نتاري في امبارارا، ثم في المدرسة القديمة في كامبالا من عام 1972 إلى عام 1976، ثم درس في “جامعة ماكيريري” في كامبالا أيضا.
وفي فترة لاحقة اختار الجيش الأوغندي كاغامي للدراسة المتقدمة في “كلية القيادة والأركان العامة للجيش الأميركي” في ليفنوورث بولاية كانساس، وانخرط في أكتوبر/ 1979 في مليشيات جيش المقاومة الوطنية الأوغندي بزعامة يوري موسيفيني، الذي كان يخوض حربا مفتوحة ضد عيدي أمين دادا.
حصل على الدكتوراه الفخرية في القانون من جامعة المحيط الهادي الأميركية عام 2005، والدكتوراه الفخرية من جامعة أوكلاهوما المسيحية الأميركية عام 2006، والدكتوراه الفخرية في القانون من جامعة غلاسكو في أسكتلندا عام 2007، والدكتوراه الفخرية في الآداب الإنسانية من جامعة وليام بن الأميركية عام 2012.
التجربة السياسية:
كان كاغامي في الـ22 من عمره، وكان ضمن عدد من الشبان التوتسي الروانديين الذين شكلوا نواة جيش موسيفيني، والذي كافأهم بتجنيسهم وتعيينهم في مناصب مهمة بالأجهزة العسكرية والأمنية، بعد نجاحه في الإمساك بسدة الحكم إثر إطاحته بنظامي ملتون آبوت ثم تيتو أوكيلو عام 1986.
فور إعلان موسيفيني رئيسا لأوغندا، تم تعيين كاغامي رئيسا للاستخبارات العسكرية الأوغندية، وبعد نجاحه في أوغندا، وجه أنظاره واهتمامه نحو وطنه رواندا، فأسس مع زملائه من التوتسي الروانديين المنفيين الجبهة الوطنية الرواندية، وخطط لخوض حرب ضد النظام في رواندا.
تولى رئاسة الجبهة فريد رويجيما، وهو صديق مخلص لكاغامي، وفي عام 1990 مُنيت بخسائر كبيرة خلال معاركها الأولى مع الجيش الرواندي على عهد الرئيس جافينال هباريمانا، ففي بداية أكتوبر/ 1990 بدأت الجبهة في مهاجمة المدن الحدودية الرواندية، وقتل رويجيما في المعارك. وبعد صراع كاد يُودي بوحدة التنظيم، عين موسيفيني بول كاغامي زعيما جديدا للجبهة.
لكن جهود الأمم المتحدة ووساطة زعيم الهوتو باستور بيزيمنغو وضغوط الحكومة الفرنسية، دفعت نظام هباريمانا إلى الجلوس مع الجبهة في مفاوضات سميت “مفاوضات أروشا” وحققت المفاوضات تقدما باتجاه تسوية سياسية تضمن عودة التوتسي إلى رواندا وتمتعهم بحقوقهم المدنية وضمان قدر أكبر من المشاركة السياسية، مقابل تخلي الجبهة عن سلاحها وقبولها دمج مقاتليها في الجيش الوطني، وفي العام نفسه، وبعد أن التحق كاغامي بمعسكر تدريب عسكري أميركي في فورت ليفنوورث بولاية كانساس، بدأ صعوده إلى السلطة في وطنه الأول.
الصعود للسلطة في رواندا:
بينما كانت مفاوضات آروشا تُراوح مكانها، كانت أجنحة وازنة في نظام هباريمانا -أغلبها من الهوتو- ترفض أي اتفاق مع التوتسي، بل بدأت التحريض ضدهم وضد المتعاطفين معهم من الهوتو، وبين عامي 1991 و1993 قاد كاغامي وفد الجبهة في المفاوضات في أروشا بتنزانيا لوقف الحرب الأهلية في رواندا، ولكن كيغالي شهدت اغتيالات استهدفت سياسيين وناشطين اشتهروا بمواقفهم المؤيدة للمصالحة الوطنية والتعايش بين الهوتو والتوتسي، وبحلول مارس/ 1994 بلغت موجة التحريض على التوتسي أوجَها وأصبحت لها إذاعة خاصة بها.
وأسهمت في حالة الاحتقان تلك مواقف القوى الدولية المتصارعة على السيطرة على المنطقة، ومنها فرنسا وبلجيكا الداعمتان لنظام الهوتو بقيادة هباريمانا، والولايات المتحدة الأميركية الداعمة لنظام موسيفيني وحلفائه من التوتسي، كما أنَّ المكاسب الميدانية التي بدأت الجبهة الوطنية تُحققها من أواخر 1993 كانت مقلقة للهوتو.
وفي السادس من أبريل/ 1994 أعلن عن وفاة هابياريمانا في حادث تحطم طائرته، لدى هبوطها في كيغالي أثناء قدومها من تنزانيا، وعلى متنها رئيس بوروندي المجاورة وعدد من كبار مسؤولي البلدين، وهذا ما أدخل البلاد في موجة قتل ومجازر جديدة.
وفي غضون 100 يوم أودت الإبادة الجماعية في رواندا بحياة ما يقرب من مليون إنسان كما تشير بعض التقديرات. وكانت هذه الإبادة موجهة ضد التوتسي، بل وحتى بعض المعارضين من الهوتو، وبقيادة من الحكومة الرواندية، وأفادت شهادات منشقين على الجبهة الوطنية الرواندية لاحقا بضلوع كاغامي في عمليات الاغتيال، وهو ما جلب عليه متابعات قضائية في فرنسا وإسبانيا.
ففي عام 2009 اتهمته محكمة فرنسية بتدبير وفاة هابياريمانا، لكن المحققين الروانديين خلصوا إلى أن الطائرة الرئاسية أسقطها “متطرفون من الهوتو” سعيا إلى إحباط عملية السلام. وتم تعليق العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا وقتها بسبب هذا الاتهام.
ومهد الاغتيال للمجازر العرقية التي استمرت إلى يونيو/ من ذلك العام، وأوقعت أكثر من 800 ألف قتيل غالبيتهم من التوتسي، واستغل كاغامي المجازر لحشد التعاطف الإقليمي والدولي.
كما سرَّعت المجازر بهجوم الجبهة الوطنية التي تمكنت من الوصول إلى كيغالي في يونيو/ 1994، وتمكنت بدعم من أوغندا ودول أفريقية أخرى، من هزيمة الجيش الرواندي على الرغم من أن قواتها كانت أقل عددا.
وسيطرت الجبهة على الحكومة الرواندية، وتوقفت فعليا مجازر الإبادة الجماعية في منتصف يوليو/ 1994، بعد 4 أشهر من بدايتها، وتم تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة لقيادة البلاد برئاسة باستور بيزيمونغو، وتم تعيين فوستين تواجيرامونغو رئيسا للوزراء وبول كاغامي -البالغ من العمر آنذاك 37 عاما- نائبا للرئيس ورئيسا للأمن الداخلي.
كاغامي يتولى الرئاسة:
في 17 أبريل/ 2000، انتخب البرلمان كاغامي رئيسا لرواندا، وكانت المهمة الأولى التي تنتظره سن دستور جديد قادر على مسايرة المرحلة الجديدة وتجاوز شبح المجازر، وواصل كاغامي سياسة إعادة الإعمار بعد الإبادة الجماعية من خلال حظر الإشارات العرقية في الدستور والقوانين الرسمية للبلاد، وتم إقرار الدستور عام 2003، وأعيد انتخابه بالاقتراع العام المباشر عام 2003 بنسبة 95% من الأصوات.
أعيد انتخاب الرجل بعد ذلك عام 2010 بنسبة 93% من الأصوات، حيث حققت إدارته نتائج اقتصادية مبهرة وجلبت الاستقرار إلى البلاد بعد فظائع ما شهدته من أحداث الإبادة الجماعية.
وكان دستور 2003 يمنح الرئيس فترة ولاية مدتها 7 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، لكن وبعد استفتاء مثير للجدل في عام 2015، صوت الروانديون على تعديل يسمح بالترشح لأكثر من 3 ولايات، وهذا ما سمح لكاغامي بالترشح من جديد، وقال خصومه إن التعديلات تتيح له الترشح أكثر مرة، ومن ثم يمكن أن يظل في رئاسة رواندا حتى عام 2034.
بعدها تمكن كاغامي من الترشح لولاية ثالثة، وبالفعل حقق في الرابع من أغسطس/ 2017 فوزا كاسحا بنسبة 98.8% من الأصوات في انتخابات الرئاسة، وحصل على ولاية رئاسية جديدة تمتد 7 سنوات أخرى.
ويقول معارضو كاغامي إنه استغل مأساة الإبادة الجماعية في رواندا لتبرير جميع قراراته السياسية ومواقفه، وإن التهمة الجاهزة دائما بحق المعارضين كانت هي “تمجيد أيديولوجيا المجازر والتفرقة العرقية” ويقولون إنه باسم هذه التهمة اعتُقل معارضون وسُجنوا، كما شهدت البلاد اغتيالات غامضة لناشطين سياسيين وحقوقيين وصحافيين وبموجبها ظل آخرون في المنفى.
ويضيف بعض معارضي كاغامي أنه يسعى للبقاء في السلطة حتى يضمن لنفسه وللمقربين منه عدم المتابعة بسبب “تورطهم في ارتكاب جرائم” حرب خلال الحرب الأهلية، وقبل عام 2022 أفصح كاغامي بنفسه عن نيته الترشح للرئاسة خلال 20 سنة مقبلة، مشيرا إلى أن “الانتخابات هي من صميم حرية الاختيار التي يتمتع بها الأفراد، واحترام لخيار الشعب” وقد ترشح كاغامي للانتخابات الرئاسية المقررة ليوم 15 يوليو/ 2024، ليخوض السباق من أجل الفوز بولاية رابعة.
المناصب والمسؤوليات:
الرئيس المشارك للجنة النطاق العريض التابعة للاتحاد الدولي للاتصالات 2010م ورئيس المجموعة الاستشارية للأمين العام للأمم المتحدة بشأن الأهداف الإنمائية للألفية 2010-2015م وتم تعيينه من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي لقيادة إصلاحات تهدف لتحويل الاتحاد إلى مؤسسة فعالة ومنتجة ومستقلة ماليا من 2016 وحتى 2018م ومن بين المناصب التي شغلها رئيس الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا (نيباد) منذ 2019م ورئيس الاتحاد الأفريقي عام 2018، واستمر في منصبه حتى 2019م.
الجوائز والأوسمة:
جائزة القيادة العالمية من “منظمة الرؤساء الشباب” الأميركية عام 2003م وميدالية أندرو يونغ للرأسمالية والتقدم الاجتماعي من جامعة “ولاية جورجيا” الأميركية عام 2005م وميدالية السلام الدولية من كنيسة سادلباك الأميركية عام 2009م ووسام رواد ليبيريا عام 2009. والصليب الأعظم للوسام الوطني لبنين عام 2010. وجائزة من اللجنة الأولمبية الدولية لـ”إلهام الشباب” عام 2010. وجائزة “أكسفورد للنمو الأفريقي” من كلية سعيد للأعمال البريطانية عام 2013. وجائزة اليوم العالمي للاتصالات وتنمية المجتمع عام 2014. ووسام جمهورية صربيا عام 2016. وجائزة رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم للإنجاز المتميز 2022