فضيحة مناوي وجبريل وبخيت شعب دارفور يموت جوعا بسبب سرقة إغاثة الإقليم وكارثة إنسانية تلوح في الأفق ( 2 – 3)
تحقيق – عبدالرحمن العاجب
في الوقت الذي يموت فيه الأطفال فلذات الأكباد يوميا جوعا بالمئات في معسكرات النازحين بدارفور، لازال وزراء حكومة إقليم دارفور وعلى رأسهم الحاكم مني أركو مناوي، ووزيري المالية والتنمية الاجتماعية وموظفي مكاتبهم يتنعمون ويترفهون بإسم وحقوق شعب دارفور، وتفيد المتابعات ان هؤلا الوزراء وموظفي مكاتبهم تجاوز عددهم (٢٠٠) موظف، يقيمون في مدينة بورتسودان، يستأجر كل واحد منهم شقة بمبلغ (١٥٠٠٠٠٠) مليار ونصف شهريا، في الوقت الذي يتقاضى فيه الوزير راتب شهري (٢٠٠) ألف جنيه فقط.
وبالتوازي مع الحرب الدائرة في السودان، برز إلى السطح مؤخراً تفشي ظاهرة التلاعب في مواد الإغاثة الموجهة إلى الأقاليم المنكوبة، وكشفت المتابعات عن تجاوزات في الإغاثة المتجهة إلى إقليم دارفور، وحتى الآن، تلاحق التهم وشبهات الفساد وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، ووزارة التنمية الاجتماعية، بجانب حكومة إقليم دارفور.
ويمكن القول إن المتهمين الأساسيين هم (الدكتور جبريل إبراهيم وأحمد أدم بخيت ومني أركو مناوي) بجانب وزير الصحة والتنمية الاجتماعية بحكومة إقليم دارفور بابكر حمدين، ونجم الدين موسى مفوض العون الإنساني الذي تمت اقالته في وقت سابق، فيما تشير أصابع الاتهام إلى عدد من الأسماء منها المهندس عبدالباقي محمد مدير الرعاية الاجتماعية بحكومة إقليم دارفور، وعباس يوسف مفوض مفوضية العون الإنساني بولاية شمال دارفور، بجانب الدكتور محمد يوسف مدير الإعلام بوزارة التنمية الاجتماعية والذي ظل يتستر على الدوام على قضايا الفساد التي تلاحق وزارة التنمية الاجتماعية.
وفي سياق متصل بالأوضاع الإنسانية كشف متطوعون في جنوب دارفور عن تزايد معدلات وفيات الأطفال والمسنين والنساء في معسكر كلمه للنازحين في جنوب دارفور وغيره من المعسكرات بولاية جنوب دارفور جراء شح الغذاء والدواء، وبالنسبة للمتطوعون فإن معسكر كلمه وجميع معسكرات النازحين بالولاية تعاني من ارتفاع في معدلات الجوع ونقص الغذاء مع توقف معظم اعمال الإغاثة الإنسانية جراء الحرب التي تشهدها البلاد.
واشتكى عدد من النازحين في معسكر عطاش بولاية جنوب دارفور من توقف المساعدات الغذائية منذ اندلاع الحرب وتردي الوضع الصحي وشح مياه الشرب بالمعسكر، وارجعوا شح المياه لتوقف الآبار بسبب عدم توفر الوقود للمضخات، وأشار أحدهم إلى لجوء النازحين للعلاج البلدي بسبب توقف المرافق الصحية وانعدام الادوية، ودعا المنظمات الإنسانية للتحرك العاجل من أجل إغاثة نازحي معسكر عطاش خاصة في مجالي الصحة والغذاء.
وتفيد المتابعات أن موادا إغاثية قادمة من دولة الإمارت ومتجهة إلى إقليم دارفور قد تم شحنها من ميناء بورتسودان، شرق البلاد، إلى مدينة كوستي، جنوبا، بتاريخ 25 – يونيو الماضي، وبعد وصولها إلى كوستي تم استبدال عربات الشحن بتاريخ 27 – يونيو.
وأكدت مصادر واسعة الاطلاع إن عدد الشاحنات عندما تحركت من بورتسودان كانت (13) شاحنة تحمل مواد إغاثية تقدر ب (350) طن، والاغاثة عبارة عن كراتين، زنة الكرتونة الواحدة (25) كيلو، هي عبارة عن (سكر – زيت – أرز – حليب – معجون طماطم – فول – عدس – ملح – تونه – مكرونة – دقيق قمح).
وما بين مدينة بورتسودان وكوستي تم فقدان (4) شاحنات من جملة (13) شاحنة. وتفيد المتابعات ان شاحنة واحده تم الاستيلاء عليها في مدينة ودمدني، وشاحنة أخرى تم تقسيم شحنتها على الشاحنات الأخرى، بجانب اختفاء عدد شاحنتين في ظروف مجهولة، وكشفت المتابعات إن حمولة الشاحنات تقلصت من (350) طن إلى (294) طن فقط.
وكشف مصدر واسع الإطلاع عن معلومة مفادها إن وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، جبريل إبراهيم، قام بالتصديق على مبلغ (650) مليون جنيه لترحيل الإغاثة من مدينة بورتسودان إلى مدن مختلفة في إقليم دارفور، وفي سياق متصل بالمبلغ المخصص لترحيل الإغاثة، أفاد المصدر بأن المبلغ تم تحويله في حساب موظف كبير بوزارة التنمية الاجتماعية، وبحسب المختصين فإن الخطوة تخالف القوانين واللوائح والإجراءات المالية والمحاسبية، من واقع أن المبالغ حكومية وتم تحويلها في حساب شخصي.
فيما اسندت مهمة الترحيل لشخص آخر، ليست لديه القدرة المالية ولا الكفاءة الإدارية، ولا يتمتع بخبرة في هذا المجال. واتضح لاحقا أنه من موظفي وزارة التنمية الاجتماعية، وبدوره قام بإسناد عملية شحن الإغاثة من كوستي إلى دارفور لأحد السماسرة المشهورين بمدينة كوستي، فقام الأخير بتحويل المبلغ الخاص بترحيل الإغاثة إلى غرض آخر، وهو ترحيل تقاوي الموسم الزراعي المقدمة من العون الأمريكي لصالح منظمة الفاو بفائدة إضافية.
وتفيد المتابعات أن السمسار الأخير تسلم مبلغ (58) مليون وأخفى نفسه في مكان مجهول، فيما تسلم الموظف الحكومي نصيبا من أموال ترحيل الإغاثة، بينما نال الموظف الكبير بوزارة التنمية الاجتماعية نصيبا أكبر من المال وسافر إلى روسيا.
وبرغم التصديق على مبلغ (650) مليون جنيه للترحيل إلا أن الإغاثة الإماراتية لإقليم دارفور ظلت قابعة على ظهر الشاحنات ومربوطة بالمشمعات لفترة طويلة امتدت لأكثر من خمسة شهور تحت هجير الشمس وزخات المطر والرطوبة، ومن الراجح أن يتلف جزء كبير منها.
وفي المقابل، تحدث عدد من المواطنين عن تسرب كميات كبيرة ومتنوعة من مواد إغاثة كانت قد تبرعت بها دول صديقة للشعب السوداني لمواجهة تداعيات الحرب ووصلت إلى السودان، وكشف المواطنون عن تسرب المواد الغذائية، خصوصا تلك المقدمة من (مركز الملك سلمان للأعمال الإنسانية) السعودي للمتضررين من الحرب بالسودان، إلى الأسواق وهي تباع في بورتسودان وكوستي ومدني والأبيض والفاشر ، فيما أكد عدد كبير من المواطنين المتضررين من الحرب عدم استلامهم أي مواد اغاثية، لا في الخرطوم ولا في الولايات المتأثرة بالحرب.
وبالنسبة للبعض فإن تسرب مواد الإغاثة الإنسانية إلى الأسواق في مدينة بورتسودان ومدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور، بجانب عمليات الفساد التي تمت في إدارة وتوزيع مواد الإغاثة أمر يستحق التحقيق والمساءلة، وفي سياق متصل بالأمر كشف مصدر واسع الإطلاع بحكومة إقليم دارفور عن واقعة تفيد بأن سائق شاحنة تعاقدت معه وزارتي المالية والتنمية الاجتماعية، والشاحنة كانت مشحونة من مدينة بورتسودان ومخصصة لإقليم دارفور، لكن السائق قام ببيع جزءا كبيرا من الإغاثة التي شقت طريقها إلى الأسواق بدلًا عن المتضررين من الحرب، وأفاد المصدر أن لجنة التحقيق، التي شكلت من قبل وزارة التنمية الاجتماعية بشأن الواقعة، وجهت اتهاما مباشرا لسائق الشاحنة بسرقة مواد إغاثة إماراتية تقدر بحوالي (54) طن، إلا إن نتائج لجنة التحقيق لم تنشر حتى الآن.
وفي سياق متصل بالأمر أقر مصدر من حكومة إقليم دارفور فضل حجب اسمه بتسرب المساعدات الغذائية إلى الأسواق في مدينة بورتسودان والفاشر، وأكد وقوع عمليات سرقة لكميات ضخمة من مواد الإغاثة المخصصة لإقليم دارفور، وحمل المصدر مسؤولية ما حدث للجنة المتخصصة للطوارئ الإنسانية التي يرأسها وكيل وزارة التنمية الاجتماعية باعتبار أنها تتولى إدارة ملف المساعدات الإنسانية بشكلِ كامل، وكشف المصدر عن وجود خلل كبير وسوء في إدارة ملف المساعدات الإنسانية وصراع بين اللجان المشكلة مؤخرًا ومفوضية العون الإنساني.
ويؤكد الواقع أن سكان إقليم دارفور يبلغ عددهم بحسب اخر إحصاء سكاني أجري في عام 2008م ( 7.5) مليون نسمة، فيما قدرت إحصائيات حديثة وغير رسمية عدد سكان الإقليم بأكثر من (10) مليون نسمة وهو ما يعادل 20% من سكان السودان، يتوزعون علي خمسة ولايات و (65) محلية، ويمكن القول إن جميع هذه المحليات لم تنال حظها من الإغاثة لفترة (10) شهور باستثناء محلية الفاشر.
وفيما يبدو أن العنوان البارز لقضية دارفور قبل حرب أبريل المدمرة هو معسكرات النازحين الذين تجاوز عددهم (3) مليون نازح تقريباً، واللاجئين الذين تجاوز عددهم مليون لاجئ تقريباً، مشهد المعاناة الحقيقية التي لازالت مستمرة لهؤلاء رسمه لنا عدد من النازحين الذين تحدثنا معهم إبان جولاتنا المختلفة لعدد من معسكرات النازحين بولايات دارفور الخمس والبالغ عددها أكثر من (51) معسكرات.
ويمكن القول إن جميع هذه المعسكرات لم تصلها الإغاثة منذ إندلاع الحرب في أبريل الماضي وحتى الآن، وظل جل هؤلاء النازحين يقبعون خلف السجون الاضطرارية التي تفتقد لأبسط مقومات الحياة الإنسانية لما يقارب العقدين من الزمان ظل نقص الغذاء والمياه النظيفة والصحة والتعليم سمة ملازمة لحياتهم، وجاءت حرب أبريل وزادت من معاناتهم.
ويرفض طيف واسع من مواطني دارفور أن تتحكم مجموعة انتهازية صغيرة لايتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة على مصير الكتلة البشرية الكبيرة لمجتمع دارفور، وتسيطر هذه المجموعة الصغيرة على مكاسب إقليم دارفور وتسرق وتنهب كل حقوق الإقليم بما فيها قوت الغلابة من النازحين والنساء والأطفال.
ووصف بعض المتابعين ما حدث بالفضيحة الكبرى لجهة إن تلك الإغاثة تبرعت بها دول صديقة للسودان لإنقاذ حياة بعض المواطنين المتضررين من الحرب، فضلا عن تخصيص ميزانية من مال الشعب السوداني لترحيلها إلى المناطق المتضررة، وبالنسبة للبعض فإن التقصير الأخلاقي الكبير يكمن في أن يقوم بعض الوزاراء والموظفين الذين ينتمون لنفس الشعب المكلوم والجائع بالسطو على الإغاثة والأموال المصدقة لترحيلها.