Fajr Press

السعودية تسعي لتسوية سياسية بالسودان تضمن مشاركة فعّالة للجيش

متابعات - فجر برس

تحمل زيارة قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، إلى المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع أهمية استثنائية، سواء من حيث التوقيت أو السياق الاستراتيجي. فالبلاد تمر بمرحلة حرجة، حيث تهدد الاشتباكات المستمرة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بتفتيت البلاد وزعزعة استقرار المنطقة بأسرها.

وصل برهان إلى الرياض الاثنين الماضي بدعوة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ولم يُفصح أي من الجانبين علنًا عن تفاصيل جدول أعمال الزيارة أو مدتها. ومع ذلك، يرى المحللون أن هذا اللقاء يُشير إلى سعي حثيث لتعزيز جهود السلام، نظرًا لوصول الوضع على الأرض إلى مستويات حرجة.

ويُشير المراقبون إلى أن الرياض قد أولت السودان أولوية في سياستها الخارجية، وأن برهان يُدرك تمامًا وضع الجيش الهش، بعد أن فقد السيطرة على دارفور ويواجه انتكاسات في إقليم كردفان. تُقدّم المبادرة التي تقودها السعودية، والمُؤطّرة بـ”الهدنة الإنسانية” التي سبق أن اقترحها التحالف الرباعي الدولي، الذي يضم الولايات المتحدة ومصر والإمارات العربية المتحدة، خارطة طريق محتملة للسلام. ورغم أن الخطة تتطلب تعديلات لنيل قبول طرفي النزاع، إلا أنها تُوفّر إطارًا يُمكن للرياض من خلاله توجيه المفاوضات.

ويُحذّر المحللون القيادة العسكرية السودانية من الإصرار على نهج المحصلة الصفرية أو افتراض إمكانية تحقيق نصر عسكري حاسم؛ إذ يُهدّد عدم إدراك حدود المواجهة المسلحة بانهيار البلاد.

ومنذ أبريل 2023، انخرطت قوات الدعم السريع والجيش السوداني في صراعٍ عنيفٍ حول المرحلة الانتقالية. وقد حصدت الحرب أرواح عشرات الآلاف، وشردت نحو 13 مليون شخص، مما فاقم إحدى أشد الأزمات الإنسانية في العالم.

وفشلت محاولات الوساطة المبكرة التي قادتها السعودية والولايات المتحدة عبر منصة جدة في وقف الأعمال العدائية، مما يُبرز مدى تعقيد تحقيق السلام في السودان. بالنسبة للرياض، لم يعد الصراع في السودان مجرد شأن داخلي. فالمملكة تنظر إلى القتال الدائر كتهديد لأمن البحر الأحمر، وممرات التجارة الحيوية، والاستقرار الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي.

وربما يؤدي استمرار عدم الاستقرار إلى تدخلات دولية وإقليمية متنافسة، مما يغير موازين القوى بطريقة تُهدد المصالح الاستراتيجية السعودية. من هذا المنطلق، يُعدّ التوصل إلى تسوية سياسية سريعة تحافظ على وحدة السودان وسلامة مؤسساته أفضل بكثير من ترك البلاد ساحة حرب مفتوحة. كما سلط المسؤولون السعوديون الضوء على خطر انتشار الجماعات المسلحة الخارجة عن السيطرة في جميع أنحاء السودان، مما قد يؤدي إلى امتداد الفوضى إلى الدول المجاورة ومنطقة القرن الأفريقي.

ويتعارض هذا السيناريو مع سياسة الرياض الأخيرة الرامية إلى خفض التوترات الإقليمية وتعزيز الحلول السياسية التفاوضية بدلاً من الصراع المفتوح. في الشهر الماضي، وجّه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نداءً مباشراً إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتدخل في الأزمة السودانية خلال زيارة لواشنطن.

وروى ترامب لاحقاً أن ولي العهد أوضح خطورة الوضع بجلاء، محذراً: “سيدي، أنت تتحدث عن حروب كثيرة، ولكن هناك مكان على وجه الأرض يُدعى السودان .. وما يحدث فيه مروع”. ووفقاً لترامب، فقد أثار هذا النداء اهتماماً أمريكياً فورياً، حيث تُتخذ الآن خطوات لمعالجة الأزمة.

يتجاوز الدور السعودي الدبلوماسية ليشمل جهوداً عملية للتأثير على موقف الجيش السوداني. فالمملكة تتمتع بنفوذ كبير على القادة العسكريين، ويُنظر إليها على أنها قادرة على تشجيعهم على النظر في حلول وسط والانخراط في مقترحات السلام. وقد أقرّ مسؤولون سودانيون علناً بمساهمة الرياض، مشيدين بـ”الرؤية الحكيمة والنظرة الشاملة” لولي العهد، ومعربين عن امتنانهم لجهود حكومته في تحقيق الاستقرار في البلاد. يظل التنسيق مع مصر والولايات المتحدة أمراً بالغ الأهمية. وقبل وصول برهان إلى الرياض، أجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان اتصالاً هاتفياً مع نظيره المصري بدر عبد العاطي، مؤكداً على ضرورة استمرار التعاون في إطار الحوار الرباعي.

وشدد الوزيران على أهمية إنشاء مناطق آمنة وممرات إنسانية لضمان وصول المساعدات إلى المدنيين دون عوائق، بما يعكس نهجاً شاملاً يوازن بين الاعتبارات السياسية والعسكرية والإنسانية. مع استمرار الصراع السوداني، يبدو أن استراتيجية المملكة العربية السعودية تتبع نهجاً مدروساً ومتدرجاً. هدفها المباشر هو كبح التصعيد العسكري ومنع المزيد من التدهور الإنساني. يلي ذلك بناء إطار سياسي موثوق يشكل أساساً للمفاوضات.

وأخيراً، تسعى الرياض إلى ضمان مشاركة الجيش السوداني الفعّالة في أي عملية سلام، مستخدمةً ثقلها الدبلوماسي وحوافزها السياسية للحد من المقاومة الداخلية للتسوية. يبقى نجاح هذه الجهود مرهوناً باستعداد الأطراف السودانية الفاعلة للمشاركة بشكل بنّاء، واستمرار دعم وتنسيق المجتمع الدولي. وإذا ما تضافرت هذه العناصر، فبإمكان المملكة العربية السعودية أن تبرز كقوة حاسمة في انتشال السودان من حافة الهاوية نحو سلام مستدام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.