Fajr Press
محمد حسن دولي

ديمقراطية الضُّر (1)

كتب - محمد حسن دولي

هل تستطيع أحزاب تقدم، التي رفضت مقترح تشكيل حكومة مدنية لكل السودان، في أماكن سيطرة الدعم السريع أن تجيب بكل أمانة على الأسئلة التالية؟ إذا تقدم به الشعب السوداني، الذي تذوق كل أنواع الظلم والألم، من أجل دولة الحرية والسلام والعدالة والديمقراطية؟.

أم إذا تقدم به (الديسمبريون/ات)، الذين تنادوا أيضاً بالحرية والسلام والعدالة، وقدموا أغلى ما يملكون في سبيل اقتلاع نظام الحركة الإسلامية التي غدرت بثورتهم وثورة الشعب السوداني الأغر بنكثها عن عهودها ومواثيقها التي قطعتها أمام الشعب السوداني والعالم أجمع، برفضها تسليم السلطة للمدنيين، وانقلبت عليهم بالتنكيل والقتل والسجون؟ فقدم الثوار للمرة الثانية أغلى ما يملكون من دماء وأرواح في “مواكب الردة مستحيلة”، إلا إن الحركة الإسلامية كافأتهم وانتقمت منهم بحربها “حرب الكرامة” تحت ظلال أسوأ كارثة إنسانية مرت على التاريخ البشري الحديث.

السؤال نفسه هو الذي يتبادر في ذهن المراقبين للأوضاع السياسية السودانية. هل مكونات (تقدم) التي رفضت مقترح تشكيل الحكومة المدنية واستلام السلطة السياسية للدولة السودانية الجديدة مع نزع شرعية حكومة بورتسودان، إذا قدم لها نفس الدعوة باستلام السلطة من قبل البرهان وحكومته العسكرية التي تسيطر عليها الحركة الإسلامية في أماكن سيطرة الجيش، سترفض الدعوة أم ستوافق؟

وفي فرضية أخرى، إذا تقدم الدعم السريع عسكرياً ونجح في السيطرة على ما تبقى من أماكن سيطرة جيش الحركة الإسلامية ومن ثم قام بعرض المقترح ذاته للمرة الثانية على المكونات الرافضة للدعوة، هل ستستمر في رفضها أم ستوافق؟
أم إنهم مازالوا يراهنون على فرضية عدم الحسم العسكري للمعركة والمناورة عليها من أجل التوسع في رقعة المكاسب السياسية في ظل المتغيرات السياسية المتسارعة نحو إعلان الحكومة السودانية الفدرالية الجديدة سياسياً وإدارياً؟ وهل هذه المدة القصيرة كافية لعمليات المناورة السياسية من قبل الرافضين؟

ان الحقيقة الفعلية التي تهامس بها المراقبون وغيرهم أن الدعم السريع قد قام بما عجز عنه قوى الحرية والتغيير آنذاك في اقتلاع “المؤتمر الوطني” بواسطة لجنة إزالة التمكين والعزل السياسي، وأن قيام “الدعم السريع” بدعوة “تقدم” ومنحه الأولوية في تشكيل حكومته المدنية التي طالما ظل يتغنى بها ويهتف لها “مدنية مدنية” لتكون الضربة القاضية “للمؤتمر الوطني” وأن ينال شرف الانتصار بعلو القدم السياسي، إنها هدية ثمينة مغلفة بتضحيات عظيمة لا يمكن رفضها، وشبهت بأنها كرة قدم مُرّرت أمام مرمى غالي في الشوط بدل الضائع في مباراة ختامية.

لكن من غير المتوقع هو عدم ركل الكرة نحو المرمى من قبل جزء من مكونات “تقدم” برفض الدعوة تماماً دون تقديم مبررات منطقية وعقلانية، فهوت بكتلة التحالف إلى براثين التصدع والتشقق وانتهى بها الحال إلى بروز تيارين، “رافض وموافق” فحتم عليهما فرضية التقسيم إلى كتلتين، متأثرتين بمواقف وطنية أو جهوية في غالب أمورها.

الثابت في الأمر دائما هو ما يطفو على السطح، بأن هذه المعادلة لا تقبل إنصاف الحلول بل تقبل الشجاعة ومواجهة الحقيقة وهي أن تتصدر “تقدم” تيار إعلان الحكومة” المشهد بكلياته وتعلن انتصار ثورة الشعب السوداني .

عندما قال : (حميدتي ) في احدى المنابر قبل اشتعال هذه الحرب اللعينة انه سوف يأتي بالديموقراطية ( ضُّر ) في بلد اللاديموقراطية ، اظنه بعد ان سيطر على (المركز) وغالب ارض السودان بقواته قد اتى بها ووضعها بجدية أمام كل من ينادي بها جهراً وفي مقدمتهم تحالف (تقدم) الذي وضع امام تحدي اتساق الفعل على المبادي.

ولم يترك ( حميدتي) امام القوى الرافضة لدعوة تشكيل الحكومة المدنية الا مخرج واحد فقط وهو ان تعلن صراحة بأن ( ديموقراطية الضُّر) غير معروفة لديها ،وكما لم تسبق لمدارسها الفكرية ان تناولتها ، وان هذا المصطلح حديث وغير معرّف.

في الحقيقة الساخرة هي خلو (منفيستو) الاحزاب السياسية الديموقراطية في السودان من اي وصفة للتعامل مع (ديموقراطية الضُّر) لذا ليست لديها قوالب جاهزة تبيّن كيفية تبنيها اوتطبيقها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.