التجاني عبدالقادر: عراب إنتهاك السيادة الوطنية .. ودعوة الخضوع والتبعية (1 – 2)
كتب - عبدالرحمن العاجب
في مقال له بعنوان “هل حانت اللحظة الحاسمة في حرب السودان؟ شيئ من التاريخ وقليل من السياسة” قدم الدكتور التجاني عبد القادر رؤيته حول الوضع الراهن في السودان في خضم الصراع الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لكن رغم أن مقاله بدأ للوهلة الأولى كمحاولة لتحليل الوضع التاريخي والسياسي، إلا أنه يطرح فرضياتٍ خطيرة تتعلق بالسيادة الوطنية والتدخلات الخارجية التي لا تصب في مصلحة السودان ولا شعوبه، ويبدو واضحاً أن عبدالقادر بدأ فعلياً بالترويج لتدخل دولتي مصر والسعودية في الصراع السوداني بشكل مباشر، مؤيدًا عودة السودان إلى دائرة التبعية والخضوع.
بدايةً، يُعد مبدأ السيادة الوطنية أساساً من أسس الدولة الحديثة، وهو الذي يضمن للدول حرية اتخاذ قراراتها دون تدخل خارجي، هذا المبدأ، الذي يعتبر أحد الحقوق السياسية الأساسية، يحمي استقلال الدول ويعزز من مكانتها في النظام الدولي. إلا أن التجاني عبد القادر في مقاله لا يبدو متأثراً بما لهذا المبدأ من أهمية حيوية للسودان، بل ويقترح دعوة لتدخل دولتي مصر والسعودية في الصراع السوداني، وهو ما يعكس دعوة مباشرة لإلغاء السيادة الوطنية السودانية.
تدعو هذه الفكرة إلى تعزيز التدخلات العسكرية الأجنبية في شؤون السودان، مستشهدًا بمواقف تاريخية مثل هجوم الجيش الألماني على فرنسا في الحرب العالمية الثانية، حيث تسقط نظرية الدفاع الأرضي الثابت، وتدعو إلى تحالفات مع الدول المجاورة كالسعودية ومصر. وهذا الأمر يشكل انتهاكاً خطيراً لمفهوم السيادة الوطنية، لأنه يعيد السودان إلى زمن الاستعمار والتبعية، ويجعله أداة في خدمة مصالح أخرى دون النظر إلى مصالحه الوطنية الخاصة.
من المثير للدهشة أن التجاني عبد القادر يعتمد على أحداث الحرب العالمية الثانية لتحليل الوضع السوداني الحالي. ففي تحليله، يشير إلى انهيار تحالف فرنسا وبريطانيا أمام الهجوم الألماني، ويطرح السيناريو الذي يحاكي تدخل مصر والسعودية في الصراع السوداني بحجة الحفاظ على الدولة السودانية وأمن الجوار الإقليمي. ولكن، هذه المقارنة لا تصمد أمام فحص الواقع السوداني.
أولاً، المقارنة بين الحرب العالمية الثانية وصراع السودان الحالي مغلوطة. فالحرب العالمية الثانية كانت صراعاً بين قوى إمبريالية، بينما الحرب السودانية هي صراع داخلي بين قوى سودانية تبحث عن تحديد مصيرها السياسي والوطني. لا يمكن بأي حال من الأحوال المقارنة بين الصراع الاستعماري في أوروبا وبين صراع الشعب السوداني من أجل استعادة الدولة وإعادة بناء مؤسساتها.
ثانياً، دعوته للتدخل العسكري المصري والسعودي تشير إلى رؤية قائمة على الرغبة في إيقاف التدهور العسكري، لكن هذا التدخل سيعني فرض إرادات خارجية على الشعب السوداني. ولن تكون هذه التدخلات من أجل مصلحة السودان، بل ستكون لأغراض استراتيجية ذات مصالح خاصة بهاتين الدولتين. تاريخ السودان يعجّ بمواقف استعمارية سابقة، وواحدة من أهم دروسه كانت أنه لا ينبغي أن يُسمح لأي قوى خارجية بالتدخل في شؤونه.
إن دعوة التجاني عبد القادر لتدخل دولتي مصر والسعودية في الصراع السوداني من أجل “حماية السيادة” هي دعوة غير متوافقة مع الواقع الوطني السوداني. هذا التدخل، إن تم، لن يكون سوى استعمار جديد يعيد السودان إلى دائرة الهيمنة الخارجية بعد أن أضحى يخطو خطواته الأولى نحو الاستقلال السياسي الحقيقي عن القوى الخارجية.
الحقيقة أن الشعب السوداني على مر التاريخ قد تعرض لكثير من التدخلات الأجنبية، سواء من قبل الاستعمار البريطاني أو بعد الاستقلال في حقب مختلفة. تجربة السودان مع التدخلات العسكرية الخارجية ليست مجرد أحداث عابرة، بل جزء من التاريخ الطويل الذي يثبت أن هذه التدخلات لم تؤدي إلى استقرار البلد، بل كانت دائماً سبباً في تأزيم الأمور وتعميق المشاكل السياسية والاجتماعية.
أن هذه التدخلات التي يدعو لها عبدالقادرستكون مُعرضة لمقاومة شديدة من الشعب السوداني، الذي يسعى الآن إلى بناء دولة وطنية قائمة على أسس ديمقراطية جديدة. التدخل الأجنبي في هذا السياق لا يضمن سوى إشعال صراع طويل الأمد، حيث سيتحول السودان إلى ساحة نزاع إقليمي، ويصبح الأمن القومي للدول المجاورة مهدداً بشكل غير مباشر.
ينتقد التجاني عبد القادر مواقف الفريق عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، عبر رسم سيناريوهات افتراضية، مُقارناً إياه بالجنرال الفرنسي فيتن، الذي اختار الاستسلام في مواجهة الهجوم الألماني، وبالجنرال شارل ديغول، الذي قاوم الاحتلال الألماني. لكن هذه المقارنة تفتقر إلى الدقة، لأنها لا تأخذ في الاعتبار الوضع الداخلي المعقد في السودان ولا تنصف شخصية البرهان نفسه، الذي قد تكون خياراته محدودة بسبب الضغوط العسكرية والسياسية، لكن تاريخه في الصراع الحالي يعكس أكثر من مجرد حالة استسلام، بل هو شخصية في مرحلة من الصراع المعقد الذي لا يمكن حله ببساطة عبر المقارنات التاريخية.
ينبغي أن يُفهم من طرح التجاني عبد القادر أن دعوته إلى التدخلات الخارجية في السودان هي دعوة لإضعاف السيادة الوطنية السودانية، وإعادة البلاد إلى حالة من التبعية والخضوع. سيادة السودان يجب أن تظل مصونة، وحل الأزمة السودانية يجب أن يكون عبر مسار سياسي داخلي، حيث يتاح للشعب السوداني تحديد مستقبله بدون تدخلات خارجية، والمطلوب الآن هو أن تتوحد القوى الوطنية السودانية في وجه هذه التحديات، وأن يتم الحفاظ على استقلالية القرار السوداني بما يتماشى مع مصلحة الوطن وشعبه. أي تدخلات خارجية من شأنها أن تغرق السودان في مستنقع جديد من الصراعات، ولن تفضي إلا إلى مزيد من التفكك والتشرذم.