Fajr Press

تزييف السقوط: ضلالات الدكتور التيجاني!

كتب - منعم سليمان

يمارس المثقف الإسلامي التيجاني عبد القادر، في مقاله الأخير، نمطاً فجاً من التضليل التاريخي المتعمد؛ إذ يستدعي شبح سقوط فرنسا عام 1940 ليُسقطه قسراً على جحيم الحرب في السودان.

والرجل، رغم سعة اطلاعه، لا يكتب بدافع التحليل، بل بدافع التبرير؛ فيهرب من ملامسة موضع الجرح الحقيقي خشية أن يجد أصبعه مغروساً في عين مشروعه الأيديولوجي، أو في عينه هو نفسه وأعين إخوته الذين أوردوا البلاد موارد الهلاك.

إن محاولته البائسة لـ “عولمة” انكسار تنظيمه، وتصوير هزيمة مشروع “الكيزان” الحربي بوصفها معركة وجودية تشبه انكسار فرنسا أمام النازية، هي مغالطة تاريخية فاضحة وفادحة.

إن استدعاء ثنائية (ديغول وبيتان) في سياق سوداني/كيزاني ليس مجرد قياس مختل، بل هو طمسٌ جوهري لهوية الصراع؛ ففرنسا عام 1940 كانت دولة مكتملة الأركان، موحدة الجيش، واضحة العدو الخارجي. أما السودان اليوم، فلا يعيش “لحظة ديغولية” كما يزعم التيجاني، بل يعيش ” حلم برهاني كيزاني” وسكرات انهيار الدولة الغنيمة!

فالحرب في السودان ليست دفاعاً عن كيان وطني ضد غزو أجنبي، بل هو انفجار داخلي صنعته جماعة صادرت الوطن، وسيّست الجيش، وحوّلت الدولة إلى غنيمة. لا ديغول هنا ولا بيتان، ولا بهتان يصلح هنا ولا “برهان”، بل دولة مخطوفة وجيش منزوع المهنية!

لقد بدأ الدمار حين حوّل إخوةُ التيجاني الدولةَ إلى ممتلكات خاصة، وحين أُخصي الجيش مهنياً وأُلحق بمشروع أيديولوجي إقصائي جعل من الولاء التنظيمي صكاً للوطنية.

إنهم إخوتك من هندسوا الخراب يا دكتور، وهم من شرعنوا العنف، وعزلوا البلاد حتى انكمش السودان العظيم – الذي تتجاوز مساحة أصغر ولاياته مساحة فرنسا – ليصبح ضيقاً لدرجة أن المثقف الإسلامي بات يروج للتدخل الخارجي كشرط من شروط الوطنية و”حسن إسلام” المواطن!

إنه لمن المضحك، جداً، أن يتباكى التيجاني في أحدث أطروحاته على الجيش بوصفه “الملاذ الأخير”، ثم يهرع في السطر ذاته للتسول السياسي طلباً للحماية الخارجية له.

ألا يسأل الرجل نفسه: لماذا عجز هذا الجيش عن حماية مقر قيادته في عاصمة البلاد فضلاً عن سيادتها؟

الحقيقة التي يتجنبها التيجاني هي أن الجيش الذي يستنصر له اليوم، هو الضحية الأولى لعمليات التجريف “الأخونجية” التي جردته من مهنيته وحولته إلى “ميليشيا حزبية” تتزيى بالزي الرسمي؛ فلا هي حفظت دستوراً، ولا هي صانت أرضاً.

أما خطاب “انهيار الخرائط” الذي يبتز به الإقليم، فهو محض خيانة صريحة وابتزاز سياسي رخيص: إما بقاء التنظيم أو خراب الوطن. والأمن الإقليمي لا يُصان بترميم الفساد وإنعاش مؤسسات نخرها سوس “الأخونة”، بل بقطع دابر الأسباب من جذورها!

ولن يستقر السودان، ولن يهدأ محيطه، ما لم يُفكك الإرث الثقيل الذي ارتهن فيه الجيش للأيديولوجيا، والشعب للجماعة، والدين للسلطة.

إن اللحظة الراهنة لا تحتاج لمساحيق “روزفلت” ولا لتزييف بطولات “البرهان” عبر تشبيهه – لا مؤاخذة – بـ “ديغول”، بل تحتاج لشجاعة القطع الكامل مع دولة الإخوان!

فالدول لا تُستعاد بطائرات الجوار ولا بتمويل المحاور، ولا بمقارنات تاريخية “فطيرة” يخطها مؤرخو البلاط؛ بل تُبنى بإرادة سياسية جديدة تضع الجميع تحت طائلة القانون، وتؤسس لجمهورية مدنية ديمقراطية تنهي عصر تجار العقيدة.

دون ذلك، يظل مداد التيجاني عبد القادر الأخير مجرد صرخة يائسة لسادنٍ لا يعنيه احتراق الوطن بقدر ما يعنيه ترميم العرش؛ ولو كان الثمن إعادة عجلات التاريخ إلى ظلمات الغزو التركي / المصري.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.