Fajr Press

يشعلون الحرب وتخيفهم الثورة!

كتب - منعم سليمان

ليس في الأمر التباس ولا يحتاج إلى كثير شرح: ما جرى في ذكرى ثورة ديسمبر لم يكن احتفالًا عابرًا، بل زلزالًا نفسيًا أصاب سلطة بورتسودان الكيزانية في مقتل.

الذكرى وحدها، بلا منصة وبلا قيادة، بهتاف فقط كانت كافية لتُخرج الخوف من مخابئه، وتدفعه ليرتدي وجوهًا متعددة: إعلامية، دينية، عسكرية، وسياسية، وثقافية إن شئت.

ما إن لاحت الذكرى حتى بدأ الاستنفار. خرج الإخوان من جحورهم، ومن أعلى منابر مساجدهم الضرار، وشُحنت المنصات، واشتغلت مصانع الكراهية بكامل طاقتها.

فجأة صار إحياء ذكرى الثورة خيانة، وصار الحنين للحرية تواطؤًا، وصار الهتاف لإيقاف الحرب ولسلام دعوة للفوضى. كل ذلك لأن ديسمبر لا يزال حيًا، ولأن مجرد تذكّره يهدد سرديتهم الهشة.

لم تخفِ سلطة الأمر الواقع في “بورتكيزان” ذعرها. لم تواجه الذكرى بالصمت، بل بالهستيريا: شتائم، تحريض، دعوات صريحة للعنف، ومحاولات بائسة من منابر التكفير لشيطنة شباب لم يحملوا سوى ذاكرتهم ولافتاتهم.

كان المشهد كاشفًا: جماعة تشعل حربًا تقتل عشرات الآلاف وتدمر بلاد بأكملها وتشرد نصف شعبها تخاف من ذكرى أكثر مما تخاف من حرب تلتهم البلاد!

المفارقة الفاضحة أن كل هذا الصراخ لم يُوجَّه نحو من يحمل السلاح ويدمّر المدن، بل صوب من يطالب بوقف الحرب. لم نسمع نبرة الغضب ذاتها تجاه أمراء الدم، بل رأينا تساهلًا، تواطؤًا، وتكريما ومديحًا، فالعدو الحقيقي بالنسبة لهم ليس الميليشيات المتناسلة كل صباح، بل ثورة الحرية.

ديسمبر بالنسبة لهؤلاء ليس تاريخًا، بل كابوسًا. يذكّرهم بأن السلطة يمكن أن تُنتزع، وأن الشارع حين يقرر لا تُجدي معه الرصاصات ولا الفتاوى ولا اللجان الالكترونية والمقالات المدفوعة الأجر. لذلك يهاجمون الذكرى، لأنهم يعرفون ما تعنيه: عودة السؤال، وعودة المطالبة، وعودة الوعد القديم.

الثورة لا تحتاج إلى إذن لتُستعاد، ولا إلى ختم رسمي لتُحيا. هي فكرة، والفكرة لا تُقصف ولا تموت. وكل هذا الهلع ليس إلا اعترافًا صريحًا بأن ديسمبر، رغم الدم والخراب، ما زال أقوى منهم جميعا.

*المجد* لثوار 19 ديسمبر.. *الخزي* لكيزان 15 ابريل. *والعار كل العار للعسكر العملاء* .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.