Fajr Press

ملهاة البرهان.. مسخرة كميل!

كتب - منعم سليمان

بينما كانت أروقة الأمم المتحدة تضجّ بأنين الضحايا وصرخات الجوعى في السودان، وتبحث عبثاً عن مخرجٍ لمحرقة تتّسع، ظهر كامل إدريس، أو “كميل إدريس” كما يُصرّ على تسمية نفسه بمياعةٍ لا تليق بالمقام – مواصلاً هوايته المألوفة في ترديد الهبل والخبل، والتغريد خارج سرب الإنسانية.

وقف كميل هناك نكرة سياسية، تتجاوزه الوفود كما يُتجاوز ظلّ مشوّه قادم من عالمٍ موازٍ، ليعرض مبادرةً لم تكن يوماً من بنات أفكاره، بل محض أوهامٍ صِيغت في “بدرومات” بورتسودان، بعيداً عن الدماء والرماد وواقع المأساة المرير!

هذه المبادرة الفضيحة ليست مشروع سلام، بل هي عنوانٌ عريض لاستدامة الحرب. ففي اللحظة التي يلهث فيها العالم لوقف الموت والدمار والجوع، يطلّ كميل هذا مطالباً بنزع سلاح قوةٍ تسيطر على نصف السودان، بلا تفاوض ولا مسار سياسي، في قفزة خيالية لا تصدر إلا عن مضطربٍ ومنقطع الصلة بالواقع نفسياً وعقلياً: فلو كان جيشك وكيزانك قادرين على نزع هذا السلاح ميدانياً، فما الذي جاء بك إلى نيويورك أصلاً؟

المشكلة ليست فقط في الخطاب، بل في كون هذه المسخرة تتعامى عن معاناة السودانيين والمأساة الإنسانية الجارية، وتختزل محرقة وجودية في شكل نزهة إدارية!

الحقيقة التي فضحتها عباراته المرتبكة، أنه – كميل – ليس سوى ساعي بريد يتلو مسودة البرهان المكتوبة بحبر التعنّت. والمفارقة تكمن في أن البرهان نفسه ليس أكثر من “بوّاب عمارة” شُيّدت في “أرض مجاورة”، وكميل ليس إلا صبياً لهذا البوّاب الذي اغتصب السلطة لحساب “سيّد العمارة”.
إنه باختصار: عبدُ عبدِ السيّد؛ وتابع التابع، التائه والضائع في دهاليز حسابات الأسياد!

هل يتوهّم هذا الضعيف أن خطاباً إنشائياً تحت قبة مجلس الأمن يمكن أن يسوق قوىً مدججة بالسلاح إلى معسكرات التجميع طائعة؟ وأي وهمٍ هذا الذي يراهن على “البلاغة” في مقامٍ لا يحكمه سوى منطق القوة؟

إنها مسخرة مكتملة الأركان: رجلٌ يقرأ نصاً لم يكتبه، ويخاطب قاعةً لا تراه، دفاعاً عن حربٍ لا غاية لها سوى تثبيت كراسي جماعة تعمل لحساب أجندات أيديولوجية ومصالح خارجية، فوق جثث السودانيين وأشلائهم.

لقد كشفت رحلة نيويورك الحقيقة بلا رتوش: “كميل إدريس” وسلطته في كفّة، والسودانيون وأوجاعهم في كفّة أخرى.

إنها مبادرة عقيمة لا تلد إلا مزيداً من الموت، ومحاولة بائسة لإقناع العالم بأن إطفاء الحريق يكون بصبّ الزيت، وأن السلام لا يمر إلا عبر فوهة بندقية تحملها يدٌ مرتعشة؛ *لا هي تقوى على الحرب، ولا هي تملك إرادة السلام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.