Fajr Press

المقالات الناقدة والهادفة للإصلاح التي كتبها الصحفي – عبدالرحمن العاجب – قبل (10) شهور من إندلاع حرب أبريل المدمرة، والتي شكلت رأي عام واسع وقتها.. أكد الواقع الماثل الان حقيقة ما ذكره الصحفي عبدالرحمن العاجب في المقالات.

رسالة في بريد مناوي وجبريل وحجر (3) حركات الكفاح المسلح الدارفورية وسقوط الأقنعة

الخرطوم – عبدالرحمن العاجب

عبد الرحمن العاجب – صحفي سوداني

وقف سيدنا عمر بن الخطاب، ذات يوم خطيبا على منبر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، وتحدث عن دور الرعية في صلاح الحاكم وإصلاحه، فقاطعه أعرابي قائلاً : والله لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا، فانبسطت أسارير عمر، وتوجه إلى الله حامدا وشاكرا، وذكر كلمته المأثورة المشهورة : الحمد لله الذي جعل في رعية عمر، من يقومه بحد السيف إذا أخطأ.

وعطفا على ما ذكر نقول لقادة حركات الكفاح المسلح الدارفورية الذين سطو على نصيب دارفور من السلطة والثروة بقوة السلاح وسياسة وضع اليد، ومعلوم للجميع انهم غير مفوضين من شعب الإقليم، نقول لهم أننا لانريد أن نقومكم بحد السيف وإنما نريد ان نقومكم بالقلم والكتابة والنقد البناء الهادف إلى تصحيح الأخطاء الفادحة والقاتلة التي ارتكبتموها في حق شعب الإقليم المكلوم المغلوب على أمره، وتحويل المكاسب العامة إلى مكاسب خاصة بمجموعات إجتماعية محددة وأسر محددة.

كل ما أكتبه من مقالات هو هدية الي أهل السودان في الهامش، وتحديداً (دارفور) الذين مهروا الطريق إلى التغيير بدماء غزيرة، وإلى أجيال المثقفين والمناضلين ونشطاء المجتمع المدني، وإلى طلائع التغيير من الشباب صناع ثورة ديسمبر المجيدة الذين يحملون شعلة الوعي الثقافي المتقدم الأمر الذي ينكره عليهم سدنة الاستبداد والتخلف من قادة الحركات العشائرية والأسرية.

خلال عقود مضت، اعتاد الشعب السوداني على تقبل أقنعة السياسيين، وهناك أقنعة كثيرة، لكن الأخطر دائماً هي أقنعة السياسيين، لأن وجوههم المتعددة قد تكون أداتهم للعب بمصير الملايين، كما حدث في مناطق كثيرة من العالم، وبالنظر للحالة السودانية ومنذ الوهلة الأولى لم يُظهر قادة الحركات المسلحة الدارفورية وجههم الحقيقي للسودانيين، واستطاعوا إخفاء معالمهم لفترة طويلة، خلف أقنعة عدة، اختلفت باختلاف الظروف المحلية والإقليمية والدولية والذاتية والموضوعية.

ولعل أبرز الأقنعة التي رفعها وتدثر بها قادة حركات الكفاح المسلح الدارفورية هي قضية الهامش والمظالم التاريخية، ثم راحوا يسوّقوا قناع مشروع السودان الجديد والعدالة الاجتماعية، ولكن كل هذه الأقنعة سقطت بمجرد استلامهم مناصبهم في السلطة التنفيذية والسيادية وعملهم الدؤوب لتحويل المكاسب العامة لخاصة، ولكن أجمل ما فعلته ثورة ديسمبر المجيدة، ثورة الوعي والقيم الإنسانية السامية والنبيلة، هو إسقاط جميع الأقنعة وتحطيمها، لتظهر الوجوه الحقيقية للجميع وعلى جميع الأصعدة، وأول الاقنعة التي سقطت هي أقنعة قادة حركات الكفاح المسلح الدارفورية.

وقادة تلك الحركات لم يفهموا الدرس بعد، وما زالوا مصرين على أن يلبسوا أقنعتهم المكشوفة للجميع، وهناك منهم من لا يزال ينظر في المرآة، ولا يرى غير نفسه وأسرته الصغيرة فيصدق مرآته ويزداد تمسكاً بقناعه، ونسي أو تناسى بأن كلمة الشعب هي العليا والفيصل في كل المعارك السياسية القادمة، وما يغيب عن أذهان هؤلاء، أن للشعب ذاكرة حية ليس من السهل محوها، فمن نسي، مثلاً، الذين أقاموا إعتصام القصر وهتفوا (الليلة ما بنرجع إلا البيان يطلع) والذين انقلبوا على ثورة الشعب السوداني المجيدة، أيها الرفاق، قد لا نطلب الكثير الآن، فقط ارحموا أنفسكم من حساب الشعب الذي سيطالكم يوماً ما.

وبالنظر لإتفاق جوبا (مسار دارفور) فإننا نجد أن الاتفاق أقر تمثيل دارفور بعدد (2) عضو في مجلس السيادة الإنتقالي، كما أقر تمثيل دارفور في مجلس الوزراء بعدد (5) خمس وزارات وفقا للإجراءات المعمول بها في الوثيقة الدستورية الموؤدة أي ما يعادل نسبة خمسة وعشرين في المائة (25%) من مجلس الوزراء، وبالنظر إلى تقسيم تلك المناصب، فنجد أن عدد (1) عضو مجلس سيادي إضافة إلى (3) وزراء إضافة إلى منصب حاكم إقليم دارفور، جميع تلك المناصب ذهبت إلى ثلاثة حركات مسلحة معظم المنتمين لها ينحدرون من مجموعة إجتماعية واحدة، وهنا سقطت الأقنعة وانكشف المستور، وفضح الواقع زيف الشعارات المرفوعة.

وفي برتوكول تقاسم السلطة نصت الاتفاقية على أن يمثل جميع المواطنين السودانيين تمثيلاً عادلاً في الخدمة المدنية والهيئات والمؤسسات العامة والمفوضيات والقوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى على كافة المستويات العليا والوسيطة، كما أقرت أن تفعل مشاركة مواطني دارفور في جميع مستويات الحكم ومؤسسات الدولة والخدمة المدنية من خلال معايير عادلة لتقاسم السلطة، وهذا ما لم يحدث حتى الان بعد أن انشغل قادة الحركات بالغنائم الخاصة.

كما شددت الاتفاقية على أنه يجب أن تراعي الأطراف عند إختيار الممثلين في المشاركة في حكومة الإقليم والولايات كافة مكونات دارفور بحيث تعكس التنوع الجغرافي والاجتماعي والمدني لدارفور لضمان التعايش الاجتماعي واستدامة السلام، وأقرت الاتفاقية معالجة الاختلال في الخدمة المدنية القومية لمواطني دارفور في كافة المستويات الوظيفية، وفق معايير الثقل السكاني والتمييز الإيجابي على ان يتم التعيين وفق الأهلية والكفاءة، ولكن رغم ذلك ظل قادة تلك الحركات يقومون بتعيين أقاربهم في الوظائف العامة من غير معاينات أو مؤهلات تذكر.

وأقرت الإتفاقية استيعاب أبناء وبنات دارفور في الوظائف العليا والوسيطة (وكلاء وزارات والسفراء وأعضاء البعثات الدبلوماسية والمديرين العامين والإدارات والأقسام المختلفة في الوزارات والمفوضيات القومية والجهاز القضائي والنيابة العامة والهيئات والمؤسسات القومية وشبه القومية والبنوك ومجالس الشركات العامة وشبه العامة) بنسبة 20% على أن يتم التعيين بقرار سياسي، واتفق الطرفان على تشكيل لجنة مشتركة لاختيار الأشخاص الذين يتم استيعابهم وهذا ما لم يحدث حتى الآن والاتفاقية تدخل عامها الثاني بحلول شهر اكتوبر القادم.

فيما نصت إتفاقية جوبا للسلام على تكوين مفوضية للعدالة الانتقالية، وفي برتوكول العدالة والمساءلة والمصالحة نصت الاتفاقية على تكوين لجنة للحقيقة والمصالحة وتأسيس محكمة خاصة لجرائم دارفور.. ولكن يبدو واضحاً أن قادة الحركات المسلحة الدارفورية لايريدون قيام مؤسسات العدالة لان بعضهم متورطين في قضايا وانتهاكات ضد حقوق الإنسان وليس ببعيد على الأذهان قصص وحكاوي التصفيات الجسدية التي تعرض لها بعض رفاق النضال والمواطنين، وهنا يمكن أن نذكر نماذج على سبيل المثال (تصفية أبناء الميدوب، وتصفية محمد بشر واركو سليمان ضحية ورفاقهم من الشهداء والجرحى والأسرى، وتصفية بعض المواطنين بمنطقة برام وقريضة وعمليات التصفية الجسدية التي تمت لعدد كبير من منسوبي الحركات في مناطق مختلفة).

طرفا اتفاقية جوبا أكدا استعدادهما للتعاون الكامل غير المحدود مع المحكمة الجنائية الدولية بخصوص الأشخاص الذين صدرت بحقهم أوامر قبض ويشمل ذلك تيسير مثول المطلوبين أمام المحكمة الجنائية الدولية والإلتزام بقرار مجلس الامن رقم ( 1593 ) لسنة 200‪5م والذي بموجبه تمت إحالة حالة دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، وكاد هذا الملف أن يدخل حيز التنفيذ وبدأت إجراءات تسليم ( عمر البشير وأحمد هرون َوعبدالرحيم محمد حسين) في عهد حكومة الفترة الانتقالية برئاسة حمدوك، غير أن دخول قادة الحركات المسلحة في صفقة مع المجلس العسكري ومشاركتهم في إنقلاب 25 اكتوبر حال دون تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية.

وفيما يبدو أن العنوان البارز لقضية دارفور هو معسكرات النازحين الذين تجاوز عددهم (3) مليون نازح تقريباً، واللاجئين الذين تجاوز عددهم مليون لاجئ تقريباً، مشهد المعاناة الحقيقية التي لازالت مستمرة لهؤلاء رسمه لنا عدد من النازحين الذين تحدثنا معهم إبان جولاتنا المختلفة لعدد من معسكرات النازحين بولايات دارفور الخمس والبالغ عددها أكثر من (51) معسكراً، وبمجرد أن تطأ قدماك أحد تلك المعسكرات، ومنذ الوهلة الأولى، تتراءى علامات البؤس ومسحة التعب والمعاناة على الوجوه، وظل جل هؤلاء النازحين يقبعون خلف السجون الاضطرارية التي تفتقد لأبسط مقومات الحياة الإنسانية لما يقارب العقدين من الزمان ظل نقص الغذاء والمياه النظيفة والصحة والتعليم سمة ملازمة لحياتهم.

إتفاقية جوبا للسلام أفسحت حيز كبير لقضية النازحين واللاجئين وخصصت َبرتكول للتعويضات وجبر الضرر وإنشاء صندوق للتعويضات، كما خصصت برتوكول للنازحين واللاجئين والعودة الطوعية، وأقرت الاتفاقية
تكوين مفوضية للنازحين واللاجئين تعمل على معالجة كل قضاياهم، ولكن حتى الآن لم يتم تكوين هذه المؤسسات.

ومن البرتكولات المهمة في إتفاقية جوبا هو برتوكول وقف إطلاق النار الدائم والترتيبات الأمنية النهائية، ومن اللجان المهمة في هذا البرتكول هي اللجنة العسكرية العليا المشتركة للترتيبات الأمنية والتي تتكون من عدد واحد قائد عسكري رفيع من كل طرف وعدد خمسة ضباط كبار من كل طرف، وإذا نظرنا إلى ممثلي الثلاثة حركات (مناوي وجبريل وحجر) فاننا نجد أن أغلبية الضباط الممثلين لهذه الحركات من مكون إجتماعي واحد وهو ما يؤكد بأن الضباط الذين سيتم استيعابهم في الجيش والشرطة وجهاز المخابرات العامة سيكونوا من مجموعة اجتماعية واحدة.

وبفعل انتهازية وذاتية قادة الحركات فاننا نجد أن نضالاتها التي امتدت لعقدين من الزمان فشلت ولم تحقق غاياتها المنشودة في السلام والحرية والديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية، وذلك بسبب الهيمنة والإقصاء والتمكين القبلي والاسري الذي ظل يمارسه قادة تلك الحركات، فيما نجد أن حركة النضال في الهامش شهدت تراجع كبير، وهذا تم بفعل هؤلاء القادة الذين ظلوا يبحثون عن تحقيق مصالحهم وذواتهم وهو الأمر الذي أدى إلى سقوط أقنعتهم والظهور على حقيقتهم البائسة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.