منذ مطلع شهر أبريل الجاري، تعالت أصوات الاستغاثة الإنسانية من قبل منظمات دولية وإقليمية ووطنية بشأن أوضاع نازحي معسكري زمزم وأبو شوك بمدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، الذين يعيشون في مخيمات النزوح منذ عام 2003، إبان اندلاع الحرب في دارفور بين حكومة المؤتمر الوطني البائد والحركات المسلحة، التي أصبحت لاحقاً جزءاً من القوة المشتركة، التي تقاتل بجانب القوات المسلحة.
ولعقدين ونيف من اشتعال حرب دارفور، لا يزال النازحون يعيشون أوضاعاً مأساوية داخل مخيمات النزوح الواقعة في شمال وجنوب مدينة الفاشر، حين شُردوا من قراهم، وكان أملهم معقوداً على العودة في أقرب وقت ممكن، انتظاراً لاتفاق سلام يضع حداً لمعاناتهم، وعلى الرغم من توقيع ثلاث اتفاقيات سلام، بدءاً باتفاق أبوجا عام 2005، مروراً باتفاق الدوحة في عام2011، ووصولاً باتفاق جوبا في أكتوبر 2020؛ فإن جذور أزمة النزوح لم تُعالج، وما زال النازحون يعيشون واقعاً مريراً في مخيمات تفتقر لأدنى مقومات الحياة الكريمة، ليس شمال دارفور الفاشر فحسب، بل على امتداد مدن ومحليات إقليم دارفور.
ورغم قسوة الواقع، رأى النازحون في اتفاق جوبا، الموقع في أكتوبر 2020، بارقة أمل لإنهاء معاناتهم، لكن الاتفاق لم يحقق أي تغيير يُذكر، بل زادت أوضاعهم الإنسانية سوءاً، في ظل تفاقم الأزمات وتراجع دعم المنظمات الدولية، وقد أستُقبل إتفاق جوبا حينها بحفاوة من قبل نازحي الإقليم، الذين علقوا عليه آمالاً عريضة لمعالجة قضايا التشريد والنزوح، إلا أن الأمل خاب عندما شارك الموقعون على الاتفاق في انقلاب 25 – أكتوبر 2021، الذي قطع الطريق علي مسيرة ثورة ديسمبر المجيدة.
وفي أعقاب انقلاب أكتوبر المشؤوم، تحالف مني أركو مناوي، رئيس حركة تحرير السودان، وجبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة، مع قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان في مؤامرة سياسية أسفرت عنها إنقلاب 25 – اكتوبر، الذي أدى لتقويض أهداف الثورة وسجن قادتها، وقد ساهم هذا الانقلاب في تلويث المشهد السياسي، ومهد الطريق لعودة الإسلاميين إلى الساحة بثقلهم العسكري والسياسي، ليواصلوا التآمر على ثورة ديسمبر ويعرقلوا الاتفاق الإطاري الذي كان من شأنه إنقاذ البلاد من براثن الحرب، وفيما بعد أشعل الإسلاميين فتيل حرب أبريل 2023، علي حين غرة، لتُضاف هذه الحرب إلى سجل المآسي التي لا تزال تطارد نازحي دارفور حتى يومنا هذا، وتبقيهم أسرى حياة النزوح والبؤس بلا أفق واضح للحل.