Fajr Press
عبدالحفيظ مريود

التجانى عبد القادر وأبراج الأمنيات: كيف تفكّر ك “فلنقاى” استراتيجى؟

كتب - عبدالحفيظ مريود

كان د. حسين سليمان أبوصالح، إختصاصى جراحة المخ والأعصاب، عضواً فى برلمان انتخابات عام 1986م (الجمعية التأسيسيّة)، عن الحزب الاتّحادىّ الدّيمقراطىّ، ووزيراً. لفظتِ الدّمقراطيّةُ أنفاسها الأخيرة بانقلاب الجبهة الإسلاميّة فى 1989م. لكنَّ أبا صالحٍ لم يلبثْ إلّا قليلاً حتّى صارَ وزيراً لخارجيّة الإنقلاب الجديد. كانتِ العلاقات مع دول الجوار، مع الإقليم، ومع أغلب دول العالم بالغة السّوء. وكان على وزير الخارجيّة أنْ يصلحَ ذلك.

لكنَّ العقيد يونس محمود، اللواء حاليّاً، والذى صار دكتوراً، أيضاً، كان ينفثُ سموماً مميتة، عبر برنامجه بالإذاعة السُّودانيّة “الحديث السّياسيّ. كان يكيل شتائمَ “قشتاليّة مقذعة” – بعبارة ماركيز – للأسرة السّعوديّة وللملك، ولكلّ ما هو سعودىّ. كما كان يفعلُ ذلك مع مصر، وفرعونها حسنى مبارك، وارتمائها فى أحضان العمالة. فى حوار صّحفىّ مع د. حسين أبوصالح، وزير الخارجيّة، تساءلَ مستنكراً (باسم مَنْ يتحدّثُ هذا الرّجل؟). شرحَ أنّه يفرغ جهدَه فى تحسين العلاقات، فيما يخرّبها العقيد يونس محمود فى دقائق. فقد كان يتحدّثُ عبر الإذاعة الرّسميّة.
والمملكة العربيّة السّعوديّة – فى أدبيّات الإسلاميين – هى “موردٌ لا ينضبُ للإسلام الرّجعىّ”. ذلك أنَّ الإسلاميين يطرحون أنفسهم على أنّهم الوحيدين الذين يملكون التفسير الأولىّ للإسلام. الذين يعرفون كيف يحدّثونه، يجدّدونه، يعرفون تأويله ليواكب العصر، يثوّرونه. والسّعوديّة تتكئُ على تراث ورؤيةٍ سّلفيّة لا تواكبُ العصر، وتراكمُ أموالاً ضّخمة، يمكنًنا أنْ نحصلَ على بعضٍ منها.
هل تغيّرتِ السّعوديّة، اليومَ، وصارتْ غمامةً يمكنُ للإسلاميين أنْ يتفيأوا ضلالها، حتّى ولو كانتْ مثل غمامة كُثَيّر عزّة، التى “كلّما تَفيّأ منها للمقيل اضمحلّت”؟
نعم تغيّرتِ المملكة العربيّة السّعوديّة، منذ ذلك التأريخ. ولكنّه تغيير لا يمكنُه أنْ يلتقىَ مع الإسلاميين.
يحاولُ بروفسيور التّجانىّ عبد القادر حامد، أستاذ العلوم السياسيّة، أنْ يجرجرَ السّعوديّة ومصرَ، لتنخرطا فى الحرب ضدَّ الدّعم السّريع، مباشرةً. وذلك بتمرير منعطفات الحرب العالميّة الثانيّة، حين كان على أوربا أنْ تواجه ألمانيا النّازيّة. يؤكّد – وهو يتخبّطُ فى مقارناتٍ بائسة – أنَّ اللّحظة الرّاهنة، هى لّحظة استراتيجيّة يجبُ على “الشقيقتين” أنْ تأخذا فيها خطوةً تجنّبهما النّدامة، لاحقاً، وألّا تتخذا موقف بريطانيا حين استنجدتْ بها فرنسا، فرفضتْ، وكلّفها الرّفضُ غالياً، فيما بعد.
دون الغرق فى المقدّمات الطّويلة المملة، التى خاض البروفسيور فى مستنقعاتها، والتى تتعارضُ – كلّيةً – مع النتائج، يجبُ القول بأنَّ تجانى – ككلّ كوزٍ أو إسلامىّ – يستندُ فى استخلاصاته إلى مرجعيّاتٍ تلفيقيّة براغماتيّة. على الرّغم من أنّه كان مديراً لإدارة “تأصيل المعرفة”، تسعينيات القرن الماضى، قبل أنْ يضيقَ بالسُّودان تحتَ حكم الإنقاذ، ويهاجرُ بحثاً عن “حياةٍ كريمة” ولقمة عيشٍ هنيّةٍ، فى الولايات المتّحدة، ثمَّ الخليج. يجبرُكَ المنهج التلفيقىّ أنْ تلبسَ لكلّ “حالٍ لبوسها”. والبراغماتيّة أنْ ترى فى “عروش السّعوديّة” نصيراً، اليوم. يتغافلُ البروف عن أساسيّات حرب السُّودان. فالدّعم السّريع ليس دولةً خارجيّة، كألمانيا النّازيّة. ليس ناهضاً على مشروع تفوّق عرقىّ أو ثقافىّ أو غيره. ولم تكنْ حربه التى يخوضها لما يقاربُ الثلاث سنوات، للاستيلاء على الحكم، أو فرض رؤيةٍ سياسيّة.
لكنَّ البروف سيعمدُ إلى تبنّى رواية إخوانه. بأنَّ الدّعم السّريع هو صّنيعةٌ إماراتيّة تهدفُ إلى تغيير ديمغرافىّ، وصنع وكيلٍ لنّهب الموارد. وأنّه كان يريدُ الانقلاب ليفرضَ رؤية “قحتْ”، والتى هى نفسها صنيعة الإمارات. سيكونُ منطق البروف شبيهاً بمنطق سيّد الخطيب، فى أنَّ (محاصرة المدينة الرّياضيّة لا تعنى أنَّ المحاصِرين هم مَنْ أطلق الرّصاصة الأولى). متغاضياً عن أنَّ حصار المدينة الرّياضيّة، هو – فى الأصل – عدوانٌ.
بذات المنطق، وذات العدسات، سيرى البروف أنَّ الدّعم السّريع خطرٌ استراتيجىّ بالنّسبة لمصر، وللملكة العربيّة السّعوديّة، متكئاً على خسران جيشه للفاشر، بابنوسة، هجليج. ولم تبقَ قُدّامه إلّا مدينة الأبيّض، والتى لو خسرها الجيش، فإنَّ أمنَ البحر الأحمر، مصر والسّعوديّة، سيكون أمامٍ طوفانٍ نّازىّ، سيكلّفهما كلفةً عالية. لذلك فإنَّ عليهما أنْ تخوضا الحرب، جنباً إلى جنبٍ مع مليشيات البراء، المشتركة، الكيكلاب، والتغراى.
شايف؟
يطابقُ البروف بين السُّودان والمليشيات الدّاعمة للجيش. دون أنْ يكبّدَ نفسه عناء فحص ما يمكنُ تسميّته بالسُّودان. قطاعاتٌ عريضةٌ من السُّودانيين لا تعبّرُ عنهم حكومة بورتسودان. وعلى خلافٍ عميق مع الجيش. يتغافلُ البروف عن المواجهات الحادّة بين الجيش والقوى المدنيّة التى كانت تحكمُ الفترة الإنتقاليّة. يتغافلُ عن الشّارع الذى كان يخرجُ فى مواكب رفضاً لمؤامرات الجيش التى أطاحتْ بحكومته المدنيّة. يتغافلُ عن مكوّنات راجحةٍ فى السُّودان هى دارفور، كردفان، وأجزاء من النّيل الأزرق وسنّار. السُّودان الذى يتحدّثُ عنه البروف، والذى يطلبُ إلى مصر والسّعوديّة أنْ تمكّناه من “الدّفاع عن نّفسه” هو سودان الإسلاميين، فقط.
ليس ثمّة من “مؤامرةٍ إماراتيّة”.
الدّعمُ السّريع قواتٌ أسّستها ومكّنتها حكومة الإنقاذ.
أجازتْ قانونها عبر البرلمان. صارتْ جزءً من المنظومة العسكريّة فى سودان الإنقاذ، وليس فى الإمارات. صارتْ مكوّناً من مكوّنات الوضع السياسىّ والعسكرىّ فى سودان ما بعد ثورة ديسمبر، وفقاً للوثيقة الدّستوريّة. هذه معطياتٌ تعرفُ مصر والسّعوديّة صّدقيّتها، وتعرفُ أكثر من ذلك. هذه حربٌ سودانيّة لا يتطلّعُ فيها الدّعم السّريع إلى غزو مصر، ولا تهديد أمن المملكة العربيّة السّعوديّة.
هل تحتاجُ الدّولتين إلى “فلنقاى” إضافىّ؟ عابرٍ للحدود؟
هل يحتاجُ “الضّب الرّاسو أحمر إلى فلنقاى إضافىّ؟
لا أظنُّ ذلك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.