Fajr Press

التجاني عبدالقادر: عراب إنتهاك السيادة الوطنية .. ودعوة الخضوع والتبعية (2 – 2)

كتب - عبدالرحمن العاجب

في مقال مثير للجدل، حمل عنوان “هل حانت اللحظة الحاسمة في حرب السودان؟ شيئ من التاريخ وقليل من السياسة”، طرح الدكتور التجاني عبدالقادر فكرة مثيرة للدهشة والاعتراض، حيث دعا إلى تدخل دولتي مصر والسعودية في الصراع السوداني لدعم الجيش السوداني في مواجهة قوات الدعم السريع. هذه الدعوة، التي تمثل صدمة للمفاهيم السيادية للأمم والشعوب، تعكس بشكل غير مباشر انهياراً واضحاً لمبدأ السيادة الوطنية، وتخضع السودان لضغوط من دول خارجية في مسعى لفرض إراداتها على أرضه.

يدعو التجاني عبدالقادر في مقاله إلى تدخل دولتي مصر والسعودية، باعتبار أن السودان يواجه مرحلة مصيرية قد تهدد بقاءه كدولة مستقلة. استند في موقفه هذا إلى مقارنة تاريخية مع الأحداث التي شهدتها الحرب العالمية الثانية، عندما تم تدمير نظرية الدفاع الأرضي الثابت في مواجهة الجيش الألماني. إلا أن هذه الفكرة لا تأخذ في الاعتبار خصوصية الواقع السوداني وتاريخ البلاد الذي لطالما ارتبط بالسيادة والحرية.

إذا كان التجاني يرى أن هزيمة الجيش السوداني تعني تفكك الدولة السودانية وتهديداً لأمن المنطقة، فإن هذه الرؤية تقفز على الحقائق السياسية والاجتماعية التي أدت إلى الأزمة الحالية في السودان. فالحقيقة التي يغفلها أو يتجاهلها التجاني هي أن السودان، وعلى مدى الثلاثة عقود الماضية، التي حكم فيها نظام الإنقاذ البلاد، كان مسرحاً لتجربة فاشلة قادها تنظيم الحركة الإسلامية، الذي ساهم بشكل كبير في إشعال الحروب والصراعات الداخلية التي يعاني منها الشعب السوداني حتى اليوم.

وأثبتت التجربة التاريخية أن المشروع الحضاري الذي دعت إليه الحركة الإسلامية في السودان لم يكن سوى ذريعة للهيمنة على السلطة واستغلال الدين في السياسة. فقد مر السودان بتقلبات دموية منذ استيلاء الحركة الإسلامية على الحكم عبر انقلاب يونيو 1989، مروراً بتفجير الأوضاع في الجنوب ودارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وصولاً إلى الانفصال المدمر الذي شهدته البلاد مع استقلال جنوب السودان.

إن هذه السلسلة من الأزمات والصراعات هي نتيجة مباشرة للمشروع الإسلامي الذي قاده هؤلاء الإسلاميون، والذي لم يقتصر على إقصاء الآخر وتهميش القوى السياسية المختلفة فحسب، بل تجاوز ذلك إلى إشعال الحروب الداخلية بهدف الحفاظ على السلطة والهيمنة، دون اكتراث بمصالح الشعب السوداني.

من غير المعقول أن تكون دعوة التجاني عبدالقادر للتدخل الخارجي بمثابة الحل للمشكلة السودانية. إذا كان التدخل الخارجي في شؤون السودان من قبل دولتي مصر والسعودية يعكس في حقيقة الأمر استمراراً لمحاولة بعض القوى الإقليمية استغلال الأوضاع الداخلية لصالحها، فإن هذه الدعوة تشكل تهديداً حقيقياً لسيادة السودان واستقلاله. كما أن إضفاء الطابع العسكري على الأزمة لن يفضي إلى حل مستدام، بل سيزيد من تعميق الانقسامات والصراعات، ويهدد بتدمير ما تبقى من هيكل الدولة.

وكانت هذه الدعوات للتدخل الخارجي أيضاً تكراراً لما أشار إليه الصحفي الإسلامي الهندي عزالدين، الذي كان قد دعا في وقت سابق إلى تدخل دولتي مصر وإريتريا لمساندة الجيش السوداني في حربه ضد قوات الدعم السريع. إذا كانت هذه الدعوات تعكس استراتيجية الحركة الإسلامية في الحفاظ على سلطتها، فإنها تؤكد على استمرار التبعية والتخلي عن السيادة الوطنية.

فيما يؤكد الواقع أن الحركة الإسلامية السودانية لم تكن مجرد طرف في الصراع الحالي، بل هي المحرك الرئيسي لتدهور الأوضاع في السودان. وعندما يتحدث التجاني عبدالقادر عن “اللحظة الحاسمة” في الحرب السودانية، فإنه يتجاهل دور الإسلاميين في إشعال هذه اللحظة ودفع البلاد إلى الحافة. فالحركة الإسلامية هي التي أججت الصراعات الداخلية، وهي التي دمرت النسيج الاجتماعي السوداني من خلال نهجها التسلطي والانقسامي.

إن الصراع الحالي في السودان ليس مجرد نزاع بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، بل هو نتيجة لمشروع سياسي فاشل ومتعصب حول الدولة السودانية إلى ساحة صراع دائم. وإذا كان التجاني عبدالقادر يعتبر أن التدخل الخارجي يمكن أن يكون حلاً، فإنه يتجاهل أن الحل يكمن في معالجة الجذور الداخلية لهذا الصراع عبر عملية إصلاحية حقيقية تقوم على أساس ديمقراطي وطني، وليس على التدخلات الأجنبية.

إن دعوة التجاني عبدالقادر إلى تدخل دولتي مصر والسعودية في الصراع السوداني تمثل تهديداً حقيقياً للسيادة الوطنية للسودان، وهي بمثابة تسليم إرادة الدولة السودانية إلى أطراف خارجية. هذه الدعوة تشكل خطراً على استقلال السودان وتؤكد تراجع مفهوم السيادة لصالح تبعية إقليمية قد تضر بمصالح الشعب السوداني، ولذلك قإن الحل في السودان لا يكمن في التدخلات الخارجية، بل في مراجعة حقيقية للمشروع السياسي الذي قادته الحركة الإسلامية، والاعتراف بالفشل الذي ترتب عليه. كما يجب أن تسعى القوى السياسية السودانية إلى بناء مستقبل ديمقراطي يعيد للبلاد سيادتها ويضمن حقوق مواطنيها بعيداً عن الهيمنة الداخلية والخارجية على حد سواء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.