Fajr Press

بين التحريم للمصريين والتحليل للسودانيين: ازدواجية القاهرة مع الإخوان!

كتب - منعم سليمان

ليس غريباً أن تعلن الهيئة العامة للاستعلامات المصرية عدم وجود أدلة تؤكد تغلغل “الإخوان المسلمين” في مفاصل الجيش السوداني؛ فالغرابة لا تكمن في التصريح ذاته، بل في طبيعة العمى الانتقائي الذي يمارسه العقل الاستعلامي المصري الرسمي.

وهو عمىٌ مدروس، يدرك ما يتجاهله، ويتقن إنكار الحقائق التي لا تخدم حسابات اللحظة والمصلحة.

منذ انقلاب عام 1989 بقيادة عمر البشير، لم يكن ما جرى في الخرطوم مجرد انقلابٍ عسكريٍ تقليدي على السلطة، بل اختطافًا أيديولوجيًا للدولة السودانية، قادته الجبهة الإسلامية القومية (الحركة الإسلامية السودانية حالياً) تحت غطاء البزة العسكرية. ومع ذلك، آثرت القاهرة، على مدى عقود، التعامل مع النظام في الخرطوم بوصفه “حكم ضباط”، وهو الوصف الذي يستسيغه الخيال السياسي المصري، حتى لو كان أولئك الضباط قد اعترفوا علناً – لاحقاً – بعضويتهم في التنظيم.

إن نفي التغلغل الإخواني في الجيش السوداني لا يعكس جهلًا معلوماتيًا أو استخباراتيًا مصريًا، بقدر ما يمثل خيارًا سياسيًا مقصودًا. فمصر، بحكم روابطها اللصيقة بالسودان، تدرك أن المؤسسة العسكرية خضعت لثلاثة عقود من “الأخونة المنهجية”، حتى بات قرارها رهينة لكتائب الظل وجهاز أمن يهيمن عليه التنظيم.

غير أن الرؤية المصرية تضحّي بالحقيقة لصالح البراغماتية الصرفة؛ فالحكم العسكري – وإن تدثّر بعباءة الإخوان – يظل في المنظور المصري الرسمي خيارًا مثالياً، على عكس الديمقراطية المدنية التي تُنتج سلطة ذات شرعية شعبية عصيّة على التدجين، خصوصًا في ملفات السيادة والموارد.

يتجلى هذا التناقض الصارخ اليوم في شوارع القاهرة؛ حيث تتحول العاصمة المصرية إلى ملاذ آمن للأجهزة الإعلامية، بل والأمنية، للتنظيم – ضباط أمن وإعلاميين – كانوا حتى وقت قريب يرفعون شعار (رابعة)!

يُعاد تدوير هؤلاء اليوم كأدوات وظيفية في مشهد يفضح ازدواجية المعايير؛ إذ يُحارَب الإخوان المصريون في الداخل باعتبارهم خطرًا وجوديًا، بينما تُحتَضَن نسختهم السودانية بوصفها ضمانًا للأمن القومي المصري وعمقًا استراتيجيًا لمصر.

الحقيقة التي يحاول هذا العمى الانتقائي حجبها أن القاهرة لا تتحالف مع هؤلاء لأنها لا تراهم، بل لأنها تراهم بوضوح: جاف وقاسي جنوبًا وممطر شمالًا، وهو مناخ مناسب لنمو المصالح المصرية، وفق المنظور الاستعلامي المصري!

المشكلة في القاهرة ليست في جودة الرؤية، بل في إرادة الرؤية نفسها؛ فبينما يوثّق العالم ( CNN) مآسي التطهير العرقي التي تديرها مليشيات التنظيم، تصرّ القاهرة على إغلاق عين، والإبقاء على الأخرى مفتوحة – فقط على ما يخدم مصالحها الضيقة، والمتمثلة في السودان لا السودانيين!

وفي نهاية الأمر، فإن هذا النهج يعكس قصر نظر آنيًا؛ إذ لا يمكن بناء علاقة مستقرة ومستدامة على إنكار حقائق الداخل أو على إدارة المصالح بمعزل عن الشعوب. فالسودان لا يُختزل في جغرافيته أو أنظمته المؤقتة، كما أن تجاهل هذه الحقيقة لن يخدم، على المدى البعيد، لا السودانيين ولا المصريين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.