ثمة صقر أمريكي جارح، بات يحلّق الآن فوق كل سماوات الدم والبارود، يرصد، يحدّق، ثم يضرب.
وفي كل مرة، يكون الهدف: “أوكار الظلام”، كما تُوصف دائما.. لكن لا أحد يملك رفاهية تحديد مكان الظل، حين تغيب شمس الدولة.
فقد أعلنت أمس أفريكوم عن غارات دقيقة في “سوكوتو”، شمال نيجيريا، بالتنسيق مع حكومة مهتزّة، تحت لافتة محاربة “الإرهاب”.
وفي سوريا، كان البرق الأميركي أسرع من صوت التحليل، 70 هدفاً صبّت عليها النيران تحت اسم: “عين الصقر”.
لكن السؤال الذي يُرفرف بأجنحته هو كذلك فوق الأذهان:
هل تقع عين هذا الصقر المُحلق فوق المنطقة على السودان هذه المرة؟
هذا البلد المُنهك، المُنقسم، الذي تتنازعه جبهات، وتنهشه جماعات، وتغيب فيه السيادة خلف واجهاتٍ هشّة.
هل يُصبح هذا السودان مسرحاً مرتقبا لعملية جديدة؟
هل تُصنَّف الفوضى المستشرية فيه تهديداً يستوجب الردع الخارجي؟
الأمر ليس احتمالاً عاطفياً فقط.
إذ أنه بمنطق التجربة والواقع.. فحين تغيب الدولة، يحضر الإرهاب، فيحضر من ثَّمْ “التدخل”،
وحين يُفتح باب الدم بلا حارس، لابد أن يدخل مثل هذا الصقر الأميركي بلا استئذان.
في بلاد لا تملك اليوم جيشاً موحّداً، ولا سلطة ذات حيازة كاملة للأرض، تمارس العنف علي بساطها اكثر من مائة مليشيا، تقاتل لأجندات متقاطعة، وببواعث مختلفة.
فيما لا يقوي عالم يتململ، وصبره ينفد، علي أن ينتظر طويلاً وإلي ما لا نهاية، نتائج مثل هذا المشهد السريالي، قبل أن يحوّل قلقه المتنامي يوما بعد يوم، إلى “ضربات دقيقة” من هذا النوع.
فهل يسمع من بقي تحت القلاع القديمة خفقان أجنحة هذه الصقور الجارحة التي باتت تحلق في الأجواء علي علو منخفض؟
أم أن الأصوات كلها لا زالت تُبتلع في صخب هذه الشعارات المهترئة البالية؟
وللحقيقة فالسودان، يقف حاليا في منطقة رمادية تماما:
لا هو بمنأى فيها عن تهديد الإرهاب الكامل.
ولا هو يمتلك سيادة راسخة تُوصد أبواب التدخل.
لكن تري متي يفيق ساسته وجنرالاته الكسالي، من سباتهم وغفلتهم المتطاولة هذه؟
إذ حين تُحلّق الطائرات فوق الرؤوس، سيغدو مثل هذا السؤال متأخراً جدا.
وسيصبح الجواب بكل تأكيد أشدّ قسوة من أن يُروى؟
وبالطبع فإن العيون التي لا ترى الصقر، لن تنجو في النهاية من نهش مخالبه.