(إنهم يرون الغبار على أحذية الثوار، ولا يرون النور في عيونهم ) حكمة أدبية.
في مشهد يجسد انفصام الواقع، ومن داخل احدى القاعات الفخمة بالولايات المتحدة، اطل علينا السوداني حامل الجواز الامريكي في لقاء مع رئيس وزراء حكومة الامر الواقع، ليصف ثوار ديسمبر بـ “الصعاليق”.
يا لها من سخافة تثير السخرية والمرارة معا؛ ان ينهل المرء من قيم الديمقراطية الامريكية، ثم يطالب بسن قوانين رادعة لخنق اصوات رفاقه في الوطن الذين يواجهون الرصاص والبمبان بصدور عارية.
لم يستفد هذا المتأمرك من تجربة الحرية التي يعيشها، بل استعار لسان السجان ليحرض على التنكيل بمن ثبتوا في الارض حين فر الجميع. والسؤال الذي يصفع الوجوه اين كانت هذه القوانين واين كانت هذه القوة يوم كانت الخرطوم تستباح؟ ولماذا توارت هذه الجسارة حين كان الدعم السريع يطرق الابواب؟
ان السخافة في ابهى صورها هي ان يلوح بالعصا من ترك السيف، وان يتحدث عن الردع من لم يذد عن العرض والدار. وزاد المشهد قتامة رد رئيس الوزراء، الذي بدلا من الانحياز لروح العدالة، ذهب يبشر بمزيد من قوانين المعلوماتية المقيدة للحريات، في محاولة بائسة لشرعنة تكميم الافواه ومنع الحديث عن الشرطة والاجهزة الامنية التي تملك تاريخا عريضا من الانتهاكات.
نفس هذه الشرطة التي لم تقف امام الدعم السريع، يتحدث منسوبوها اليوم بدون حياء، بل عادوا لممارسة ذات القمع بضرب المتظاهرين وفض التجمعات بالعنف.
سخافة المشهد تكمن في أن الجهة التي سقطت في اختبار حماية الدار، تحاول الآن النجاح في اختبار قمع الثوار والفرق بينهما هو الفرق بين الشجاعة والاستقواء.
ليتذكر كل شرطي تذرع عند هروبه من مناطق العمليات بانه يتبع لجهاز مدني، ان رصاصكم وبمبانكم لن يوأد ثورة ديسمبر الباقية. ان عودة الحكومة المدنية امر حتمي مهما اشعلتم النيران لواد الانتقال الديمقراطي.
وما لا يعلمه الفلول والكيزان بحركتهم الاسلامية ومؤتمرهم الوطني المحلول، ان ارادة الشعوب لا تقهر، بل ستنفجر في وجه كل ظالم. ان الذين ارتضوا خدمة السفاح سيحاسبهم الشعب قريبا، والافضل لهم وللوطن ان ينضموا الى معسكر السلام قبل فوات الاوان، فالتاريخ لا يرحم من خذل شعبه واستقوى على العزل.